المســــافر
ثلاثة أيام.. مدة قصيره قد لا تكون مؤثره فى حياه شخص يمتد عمرة لستين أو
سبعين عاما خاصة لو كانت منفصله يفصل بين كل منهم سنوات تتخطى العشرين بقليل، لكن
هذه المدة القصيره مؤثره بشكل كبير فى حياه "حسن" بطل فيلم المسافر..
ثلاقة ايام فاصله فى سير مجريات حياته ولا نبالغ عندما نقول انهم الايام الثلاثه
الأهم فى حياته وفى حياة الأمه العربية ككل يوم من عام 1948، ويوم فى خريف عام
1973، ويوم فى عام 2001.
الفيلم بالكامل يعتمد على الرمزيه فى كل شئ ويربط قصة حياة البطل بالحداث
التى مرت بها مصر والوطن العربى، شخصية البطل الذى يعمل فى مصلحة البريد التى تبحث
عن مغامرة لكنه دائما وابدا خائف، ومتردد وهما ما يجعلانه يسير بجانب الحائط طلبا
للأمان.. اليوم الأول أحداثه عل الرغم من كونها تنسج خطوط قصة حب ثلاثيه بين رجلين
وفتاه فى جو اسطورى خارج عن كل ما هو مالوف وواقعى، صدفة تجمع حسن بحلم على سطح
سفينه يساعده قبطانها فى العثور عليه.. الحلم هو نورا الفتاه التى وقع فى هواها والتى عندما يعثر
عليها القبطان يتردد حسن وينسحب لكن نورا تلحق به لتبدا قصة حب تنتهى بعلاقه على
سطح المركب لا يمكن وصفها انها علاقة جنسيه برضى الطرفين وفى نفس الوقت لا يمكن
وصفها على انها إغتصاب، العلاقة هنا تعبر عن شخصيه حسن فعلى الرغم من خوفه وتردده
لكنه مندفع قد يرجع ذلك إلى كونه شاب فى مقتبل حياته، اليوم الول يعيد إلى الأذهان
حرب 48 والتى خاضتها جيوش العرب مجتمعه ضد الكيان الصهيونى والتى انتهت بإحتلال
فلسطين وهزيمة الجيوش العربية، حسن يخسر نورا ويسير اطراف المثلث كل منهم فى
إتجاه.
اليوم الثانى فى خريف 1973 يكتشف حسن أن هناك شاب وشابه، الأخيره تشبة حب
عمره، والتى قابلها على السفينه قبل 25 عاما، يعرف حسن انها ابنتها ويتاكد فى
نهاية اليوم انها ابنته والتى لجاءت اليه بعد وفاه أخاها التؤام أثناء قيامه بأحدى
مغامراته التى أودته قتيلا، ولم يعد لها فى الدنيا بعد وفاته وامها غير حسن، الجزء
الثانى من الفيلم مرتبط بشكل وثيق مع حرب أكتوبر والنصر وعودة جزء كبير من أراضى
سيناء التى تم إحتلالها بعد حرب الأيام الست، حسن فى هذا الجزء لم يلتئم جرحة وبدا
وحيدا فى اول مشاهد اليوم عند لقاءه بإبنته المزعومة، لكنه اكثر نضجا ومازال يحمل
الخوف القديم للدرجة التى جعلته يجفل من التعرف على جثه أبنه المزعوم فى المشرحة،
التحول فى الشخصيه دعمه المخرج احمد ماهر بتغير فى شكل الشخصيه مضفيا عليها ملامح
رجوليه متمثله فى شنب كثيف، وتغير فى تسريحة الشعر، هذا التغير يدعم التحول فى
الشخصيه حسن فى هذا الجزء قادر على إتخاذ القرار.. خالد النبوى أيضا حاول خلق
رابطا بين اليوم الثانى والثالث فى حياة الشخصيه حسن، والتى سيؤديها عمر الشريف فى
الجزءء الثالث.
قد يبدو اداء خالد النبوى غير مقنع ويبدو لبعض المشاهدين يحاول تقليد عمر
الشريف خاصة ان أداء عمر الشريف فى الجزء الأخير جاء خارجا عن المالوف ونجح فى أن
يجسد حسن عجوزا ووحيدا، لكن معرفة أن خالد النبوى قام بتصوير دوره قبل أن يصور عمر
الشريف الجزء الخير من الفيلم يشفع له هذا الداء ويضعة فى إطار اجتهاد شخصى من
خالد ليقرب للمشاهد شخصية حسن عجوزا، الفجوة حدثت بين أداء خالد وعمر لكن سواء كان
هذا الأداء مقصودا أو غير مقصود، لكنه يخدم الفيلم لان الفاصل الزمنى بين
"حسن" خالد النبوى، و"حسن" عمر الشريف 28 عاما، وهى عمر أخر
يظهر من خلاله حفيدا لحسن، الجزء الثالث تتضح فيه الصورة كاملة ويرصد على خلفيه
قصة حسن التغيرات فى المجتمع المصرى وظهور السلبيات من عشوائيات وتفسخ فى
العلاقات، كل هذا يبدو واضحا خلال محاولات الحفيد المزعوم لحسن الذى يقوم بدوره
شريف رمزى ومحاولة تقربه من الجد الدائم النسيان والذى تبدو الأحداث مختلطه داخل
ذهنه لا يعرف أيا من الأحداث قام به فعلا، وايا منها ذكريات آخريين، حسن فى هذا
الجزء تحول غلى مايشبه الذاكرة الجمعيه للعرب جميعا، يحمل الضعف الذى تحملة الأمة
كلها والتى ايضا نسيت مع مرور الوفت أمجادها وما صنعته الأمة ككل فى فترة قصيره،
العلاقة بين الجد والحفيد المزعوم تبدو وكأن العرب يحاولون جمع الشتات بعد تفجيرات
الحادى عشر من سبتمبر فى نفس العام الذى تمر به احداث اليوم الأخير، العلاقة
متوتره وتنتهى كما بدأت بالشكل الذى يجعلها لن تحل ابدا، التطور الأخير فى شخصيه
حسن يأتى حاملا معه الأمل، ومشهد سقوطة من كوبرى امبابه فى النيل والذى قد يبدو
وكان حسن قد مات ومات معة الأمل، لكن حديث حسن مع نفسة أثناء السقوط، والذى يذكر
إلى حد كبير بمشهد السقوط فى فيلم المخرج الإيطالى فيلينى "8½" لكن حسن بعد هذا السقوط يخرج
أكثر جراءه وقرر نبذ خوفه، ضعيف يحتاج إلى الدفء (البطانية التى يتدثر بها) ويحتاج
إلى الجنس والذريه الذان سيؤمنان له الخلود (السيدة المشغولة بحمل وإرضاع ابنها
الصغير وابنها الأكبر يطعمها)، والقوة بعد وصوله لمرحلة الضعف والى يدل بشكل مؤكد
ان الأمة العربية فى وقت ما ستتعافى وسيلتئم الجرح خاصة ان العناصر والعوامل
المؤديه للصحوة موجوده تحتاج فقط لمن يضعها فى سلة واحدة.