الاثنين، 12 ديسمبر 2011

تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسى

الثورة فى عيون الطيب والشرس والسياسى

السينما مرآه الواقع، يبدع المؤلف ويخلط خبرته الشخصية بما يمر به من احداث ويأتى المخرج وباقى فريق العمل ليصنعوا رؤيه بصريه لما قدمه المؤلف، يراها الجمهور والنقاد كل حسب ما يعرفه ويشعر به.. الوضع يختلف عندما نقف امام فيلم وثقائى خاصة عندما يكون الفيلم مصرى له وضع إستثنائى فمن جانب الفيلم يعرض بشكل تجارى وهى المرة الأولى التى يعرض فيها فيلما وثائقيا بالسينما المصرية، ومن جانب آخر يتناول الفيلم فترة حفرت نفسها بداخل وجدان كل مصرى وتخطت احداثه لتدخل فى تشكيل وجدان أفراد من شعوب دول أخرى سواء ناطقة باللغة العربية ومهمومه بنفس القضايا أو تعبر عن نفسها بلغة أخرى ومهمومة بقضايا أخرى واستلهمت صحوتها من تجربة الربيع العربى التى يرسم الفيلم تفاصيل ثانى تجاربها مصر.
عن "تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسى" نتحدث، ذلك الفيلم الوثائقى والذى قرر صناعة خوض مغامرة عرضة تجاريا على جمهور تمثل أفلام الافيهات والسينما الآمريكية ذوق معظمه المفضل، بالشكل الذى يجعل مجرد التفكير فى عرضه حتى فى عدد من دور العرض لا يقل عن اصابع اليد الواحده مجازفه يتحملها صناعه، فى البداية يتخطى الفيلم التحذيرات الخاصة بتناول حدث الثورة فى عمل فنى بسبب عدم مرور وقت طويل على حدوثها لكونه فيلما وثائقيا لذلك يتناول مخرجى الفيلم الثلاثه تامر عزت وآيتن امين وعمرو سلامة الثورة من وجهات نظر تبدو محايده وموضوعيه تفتح النقاش حول حقيقة ما حدث، الفكرة التى تحمل أسم المخرج احمد عبد الله تعتمد على إختزال شخوص الثورة المصريه فى ثلاثه اشخاص إعتباريه هم الطيب (الشعب) والشرس (جهاز الشرطة) والسياسى (الديكتاتور المخلوع مبارك)، ويعبر كل شخص إعتبارى منهم فى أحيان الالاف وفى احيان اخرى عدد محدود من الافراد.
الفيلم لو اكتفينا بقسم واحد من اقسامه الثلاثه لما اتسم بهذه الموضوعيه لكنه باقسامة كاملة يعرض لحدث الثورة بشكل متوازن ويتعاون صناع الفيلم جميعا فى خلق حوار ضمنى  بين الشخصيات الثلاثة يتخيله المشاهد واعتمد الصناع فى هذا على المونتاج الذى يعد أحد اهم عناصر نجاح الفيلم وليس غريبا ان يكون اثنان من مخرجيه هم تامر عزت وعمرو سلامة عملا فى مجال المونتاج بشكل إحترافى فى عدد من الاعمال السينمائية، ليبدو الفيلم روائيا يوثق لفترة حكم طويله تبدا من تولى مبارك عام 81 وتمتد لما بعد احداث يناير، وهو الشكل الذى يعد ابرز من يقدمه فى العالم الامريكى مايكل مور فى أفلام  مثل "Fahrenheit 9/11" و"Sicko"، وفى مصر المخرج احمد عبد الله والذى سبق أن قدم هذا الشكل فى فيلم "ميكرفون".
أحداث الفيلم تبدا من النهاية ففى قسمة الاول "الطيب" عبر المخرج تامر عزت عن الملايين من خلال عدة نماذج تمثل غالبية الثوار منهم شابه فى العشرينات وطبيبه بالمستشفى الميدانى، ومصور محترف وغيرهم ينسجون جميعا على أختلاف تجربتهم حوار مطولا يحكى ما حدث وتصاعد الأحداث وتطورها من خلال الهتاف الرسمى للثوره "الشعب يريد إسقاط النظام" ومراحل تطوره حتى المطالبة بإسقاط الرئيس، فالشخصيات المختارة تحكى، ومشاهد حيه من الثورة هى الفلاش باك، بعضها ظهر فيها الرواه انفسهم، فى هذا الجزء نكتشف حقائق غابت عن البعض حتى من المشاركين فى الأحداث انفسهم، ستضحك فى هذا الجزء رغم انفك على مشاهد من المفترض ان تبكيك وستدمع عيناك فى اوقات اخرى، لكن فى النهاية ستجد نفسك ملم بجوانب كثيره فى ثورة حدثت، لكن ستظل الصورة ناقصة بالنسبة لاى مشاهد ويبقى السؤال "ما السبب وراء ما حدث؟".
القسم الثانى من الفيلم "الشرس" والذى يحمل أسم المخرجه آيتن امين لن يجيب عن السؤال السابق، لكنه يساهم فى كشف لوجهات نظر الطرف الاخر الذى كان موجودا بالشارع وهو جهاز الشرطة والى كان يحمل مسئوليه حماية النظام ككل، بناء هذا القسم مختلف ويعتمد على شهادات ثلاثة من الضباط الاول برتبة مقدم لا تبدو ملامح وجهه حيث يغطيها السواد دائما، وملازم اول فى قوات الامن المركزى، وضابط سابق بجهاز امن الدولة، الثلاثة يقدمون شهادتهم من خلال ما يشبه المقابلة الشخصية التى تديرها المخرجة، وتستعين برسوم الفحم لتعرض فى شكل تصورى ما تعذر وجود مشاهد حيه، هذا التعتيم على اثنان من الضباط والرسوم اليديويه أضفت جانبا من الغموض على هذا الجزء يماثل الهالة التى كان جهاز الشرطة محاط بها، القسم الثالث من الفيلم حمل مسئوليه الاجابه عن كل الاسئلة التى اثارها القسمين السابقين، بالطبع مخرجه عمرو سلامة لن يستطيع الحصول على شهادة مبارك، لذلك لجأ إلى شهادات خصوم هم الكاتب بلال فضل، ودكتور محمد البرادعى، والاثنان من ابرز معارضيه، بالاضافة إلى شهادات دكتور سامى عبد العزيز، وحسام بدراوى أعضاء الحزب الوطنى المنحل والتى كانوا من قيادات صفه الثانى، وكذا دكتور مصطفى الفقى، هذا القسم يضع الجميع فى خانه صعوبه التصنيف هل الفيلم وثائقى وفى هذه الحالة يكون "السياسى" قد ابتعد عن الشكل المعروف للفيلم الوثائقى، اما بسبب عدم وجود شهادة لمن تدور حوله شهادات هذا القسم، ام هل هذا القسم تسجيلى يصل من خلاله المشاهد لتكوين وجهة نظر عن الموضوع ككل من خلال رؤيه المخرج التى بدت بشكل ظاهر جدا فى هذا القسم، ولعل اكثر ما يعيبها هو المساحة الطويلة التى ظهرت بها شهادة دكتور البرادعى، بالشكل الذى يجعل شهادته أشبه بالمحاضرة الطويله، ام ان هذا القسم مجرد ريبورتاج عن مبارك يحمل أجابات مقنعة عن كيفية تحوله إلى ديكتاتور، وذلك فى قالب ساخر يطل من خلاله اسلوب الكاتب هيثم دبور بشدة، أيا كان التصنيف أو ان الفيلم ألتزم بشروط وضوابط الفيلم الوثائقى ام لا ستجد فى النهاية اجابه عن الاسئلة التى تدور فى الاذهان عن الثورة، وبالقسم الأخير تكتمل شخوص الفيلم لتبدو الثورة بأيامها الـ 18 نتيجة منطقيه لحكم ونظام دام لمدة 30 عاما.