السبت، 17 مايو 2014

مصاص الدماء


"جان" فن الرعب

هل توجد جاذبية فى شخصية رواية تم نشرها منذ 117 عام؟ ربما تأتى إجابة البعض بـ"لا"، لكن عندما تكون الرواية للكاتب البريطانى برام ستاكر مبدع "دراكولا"، بالتأكيد ستاتى الاجابة بـ”نعم” فمع مرور كل هذا الوقت ما زالت شخصية مصاص الدماء مصدر هام فى الاعمال الفنية حتى انها اصبحت مادة ثرية للرسوم المتحركة، اليابانية منها تحديدا والمعروفة باسم "مانجا" فى أكثر من مسلسل يأتى على راسها "Hellsing"، و"Vampire Hunter D".
مصاصين الدماء تم تناولهم فى السينما والتليفزيون بأشكال عديده احيانا بأقصى قدر من العنف واحيانا عاطفيا واحيانا اخرى بمجرد الالتزام بالخط العام والقواعد التى رسمها خيال ستاكر عندما رسم الشخصية فى روايته الشهيرة، والتى تعتمد على اصل حقيقى هو شخصية الأمير فلاد الثالث حاكم اقليم والكيا الأسطورة الرومانية وعدو الإمبراطورية العثمانية مع بداية تكونها.
الرواية الأصلية لستاكر تعتمد على أمير حرب حقيقى دموى، قاتل الاتراك العثمانيين وحاول وقف مدهم فى أوروبا، ليتحول فى خيال الكاتب البريطانى إلى مصاص دماء يتغذى عليهم، لعقود متتالية منذ اختراع التصوير السينمائى واستغلال شخصية دراكولا مستمر سواء كانت افلام صامتة أو ناطقة، حتى يقرر المخرج فرانسيس فورد كوبولا العودة للآصل والالتزام بنص الرواية وبنى فيلمه الذى حمل عنوان "Bram Stoker’s Dracula" عام 1992 على الرواية التى تعد ايقونة فى ادب الرعب القوطى الذى يتخذ من القصور العتيقة والسراديب السرية والاساطير القديمة مسرحا لأحداثه، مقدما فيلما كلاسيكيا واضعا نقطة نظام وبداية جديدة لكل ما سبق إنتاجه عن الشخصية ومصاصين الدماء سواء التزم بالنص الأصلى وهى اعمال قليلة أو ابتعد عنها وهى أكثر الاعمال
الرواية كالفيلم تدور فى زمنين مختلفين الاول بعد عودة الامير فلاد الثالث لقلعته ليكتشف أن زوجته انتحرت بعد أن وصلتها أخبار خاطئة انه قٌتل فى المعركة، ليكفر بكل ما امن به وبسبب ذلك يتحمل لعنته بان يصبح مصاص للدماء، القدر يضعه فى طريق "مينا" شبيهة زوجته لحد التطابق وبسببها يخوض حرب جديده ليحظى بقلبها.
الفيلم التزم بالتفاصيل الدقيقة التى أبدعها ستاكر، وحقق نجاحا على المستويين الفنى والتجارى، فتكلفة إنتاجه بلغت ما يقرب من 40 مليون دولار وحقق ايرادات تخطت 300 مليون دولار، كما ترشح لنيل أربعة جوائز أوسكار هم افضل ملابس، وافضل مؤثرات، وافضل مكياج، وافضل اخراج فنى، حاز على ثلاثة منهم، وتصدر بطولته انتونى هوبكنز، وجارى أولدمان، ووانونا رايدر، وكيانو ريفز، لكن اهمية الفيلم الحقيقية هو تسليط الضوء على وجهة نظر مختلفة لمصاصى الدماء بعد سنوات من الاستغلال الحرفى لأداء ولكنة وملابس الممثل بيلا لوغسى فى الفيلم الذى اُنتج عام 1930 وحمل اسم "Dracula" أيضًا، ليصنع كوبولا بداية جديده للشخصية بالعودة لشكلها الكلاسيكى فاتحا المجال أمام إعادة احياءها مرة اخرى بعده تصورات جعلتها تيمة اساسية لا يمل منها الجمهور، وخامه ثرية يستغلها بعده الصناع بسهولة.
مسلسل "Dracula" الذى انتهى عرض موسمه الاول مؤخرا فى الولايات المتحدة نموذج للاستغلال الناجح للشخصية والتى قد يظن البعض انها استهلاك مبالغ فيه لرواية ستاكر، لأن المسلسل يدور فى نفس زمن الرواية والفيلم ويعتمد على نفس الشخصيات، لكنه على العكس إضافة من زاوية اخرى حيث عمل مبدعه كول هادون على تغيير الخطوط الدرامية لبعض الشخصيات، عدو دراكولا الأساسى ليس فإن هيلسنج، فى المسلسل هو حليفه يحاولان معا القضاء على منظمة التنين بدافع الانتقام، الاول لانهم السبب فى كونه مصاص دماء، والثانى لأن رئيس المنظمة وقت الاحداث قتل عائلته، مضيفين خيالا جديدا على خيال ستاكر، حيث أن منظمة التنين التى كانت موجوده فى الحقيقة لمواجهة اعداء الكنسية وعلى راسهم الامبراطورية العثمانية وكان الامير فلاد الثالث ابرز اعضائها، فى المسلسل هى مستمرة وتحاول جر الامبراطورية العثمانية لحرب حتى تتمكن المنظمة من السيطرة على حقول النفط الموجودة فى الشرق الاوسط الذى يحكمه العثمانيين، هذا التغيير حقق نجاحا للمسلسل وضمن ما يزيد على 5 ملايين مشاهد عند عرض حلقته الاولى.
بعيدا عن النظرة الكلاسيكية للشخصية، تناول صناع فيلم “Interview With The Vampire” الذى أنتج عام 1994 وتصدر بطولته نجمى هوليود براد بيت، وتوم كروز بمشاركة انطونيو بانديراس وكريستان سلاتر، زاوية اخرى مستغلين نجاح فيلم كوبولا، ليخرج التناول من الرغبة فى “التخويف والرعب” إلى جانب درامى يركز على مشاعر مصاص الدماء وحياته، وبعد ما كان التركيز على الضحايا وكيفية القضاء على الشر الذى يأتى مع الشخصية، يتحول إلى رؤية ابعاد اخرى عنها فاتحا الباب أمام سيل من الأفكار التى تسير فى نفس الاتجاه ليصبح هناك سلاسل من الافلام والمسلسلات التى تتناول مجتمع مصاصى الدماء وطريقة حياتهم وصراعاتهم، منها سلسلة افلام "Underworld"، ومسلسل “The Vampire Diaries” ، الذى حقق نجاحا بعد 6 سنوات من عرضة دفعت الشركة المنتجة ومبدعته جولى بليك إلى البدء فى مسلسل اخر منفصل يتتبع العائلة الاصلية لمصاصين الدماء فى المسلسل، يحمل عنوان "The Originals"، وبالطبع فيلم "From Dusk Till Dawn" عام 1996 للمخرج روبرت رودريجيز والذى تحول إلى مسلسل تليفزيونى بدا عرضة شهر مارس الماضى.
الجانب الرومانسى فى شخصية مصاص الدماء إضافة اخرى تحسب لفيلم كوبولا، حيث لم تكن مطروقة بهذا الحد قبل 1992 أغلب الصناع وقتها كانوا يتجاهلونه، فقصة حب دراكولا فى الرواية وانتحار زوجته وجلوسه فى قلعته لسنوات منتظرا قدره فى ظهور جوناثان هاركر الذى يصادف أن تكون خطيبته هى شبيهة زوجة فلاد الراحلة، هذا الجانب التقطه الصناع والذى اصبح التركيز علية سببا فى خروج عدد اخر من الافلام والمسلسلات التى تعتمد على نفس الخط فقط، مصاص الدماء العاشق اصبح تيمة ناجحة أيضًا فى التسعينات، مسلسل Buffy The vampire Slayer” ، وشخصية مصاص الدماء "انجل" وقصة حبة مع "بافى" التى جعلت من شخصية "انجل" ماده ثرية ليكون له مسلسل خاص به حقق نفس النجاح الذى حققه المسلسل الأصلى، الجانب العاطفى فى شخصية مصاص الدماء تم استخدامه بنجاح أيضًا فى المسلسل الذى يشهد العام الجارى عرض اخر مواسمة وهو “True Blood” والذى تعتمد أحداثه بشكل أساسى على قصة الحب التى تنشا بين الثلاثى مصاصى الدماء بيل كومبتون، اريك نورثمان، و”سوكى”.
لكن كل الاعمال التى تناولت الجانب العاطفى عند مصاص الدماء حافظت على الخطوط الكلاسيكية التى رسمها ستاكر فى روايته، وظل مصاص الدماء كما هو برونقه وجانبه الخشن حتى عندما صنع الراحل ليسلى نيلسون شخصية دراكولا فى فيلمه الذى ينتمى لكوميديا البارودى والذى حمل عنوان “Dracula: Dead and Loving It” عام 1995، احتفظ برونق الرواية الكلاسيكية وصنع الكوميديا من السخرية مما صنع عنها من افلام وعلى راسها فيلم كوبولا، لكن ستيفن ماير مؤلفة سلسلة روايات "Twilight" التى تحولت عام 2008 إلى سلسلة افلام قدمت اسوء مصاص دماء ظهر على الاطلاق، حيث استبدال هذا الرونق الذى منح للشخصية كل هذه الجاذبية على مدار كل هذه السنوات وأتلفته برؤيتها لمصاص الدماء فعدم القدرة على الظهور فى الشمس لأن بشرته تبرق كالماس، وأغلب صراعاته تبدا وتنتهى بنعومة غير منطقية تجعل من أحمد عدوية فى فيلم "انياب" أكثر اقناعا منه كمصاص دماء.
ثراء شخصية دراكولا هى أكثر عامل جاذب وهو السبب وراء كونها فكرة قابلة للتدوير والتداول فى السينما والتليفزيون، حتى لو مر مائة عام اخرى ستظل الشخصية قابلة للنجاح حال وجودها فى أى عمل، وستظل أيقونة فى أى عمل تقدم من خلاله سواء كان عاطفيا أو ينتمى للرعب أو الجريمة أو الدراما.


عشم


محاكاة مصرية لـ "Paris, je t'aime"

مجموعة الاحلام والامنيات البسيطة التى يرغبها البشر هى وقود حياتهم، كل منهم ينظر للأعلى ويتمنى ويسعى لتحقيق الهدف والحلم الذى قد يبدو مستحيلا بالنسبة إليه، وقابل للتحقيق عند غيره، المهم هو النظر للأعلى بعشم حيث السماء مفتوحه بلا معوقات او بشر او كتل إسمنتية.

"عشم" هو اسم الفيلم الذى يضم هذه الاحلام، وهو أيضًا محور احداث سته قصص لمجموعة شخصيات تتحرك داخل مشاهده يتصلون معا بخيط رفيع فعلى غرار "Love Actually" و "Paris, je t'aime" و"New York, I Love You" تقرر المؤلفة والمخرجة ماجى مرجان أن تبنى احداث فيلمها على نفس النهج، قصص متداخلة من شرائح عمرية واجتماعية مختلفة يجمعهم رابط واحد، فى "Paris, je t'aime" كان الحب فى "New York, I Love You"  كانت العلاقات أما عشم فهو الحلم، تجد الرجل المرهق من عمله لكنه يتمنى أن يخدم الجميع وزوجته التى تخاف من موته، والزوجة الباحثة عن مولود لا يأتى، والشاب الحالم بالهجرة ويضحى بالحب، كل هذه القصص تتلاقى مسارات ابطالها وتبتعد مع مرور الدقائق في الفيلم.

هذه النوعية من الافلام تعتمد بشكل اساسى على التنويع فى عرض الموضوع الذى يربطها، لكن فى عشم حدث العكس حيث دارت احلام شخصيتين في الفيلم هما مجدى (مينا النجار) وشريف (هانى سيف) في الهجرة احدهم ضحى بحبه وفسخ خطبته والثانى سافر تاركا امه، التكرار لم يضف  جديدا واضعف الخط الدرامى للشخصيتين  فلم نفهم الدافع وراء قرار السفر المفاجئ وترك خلفهما ما هو مهم، قصة فريده (مروة ثروت) جاءت باهته بدون خطوط عريضة توضح الشخصيات للحد الذى جعل شخصيات القصة الأربعة تبدو وكأنها مقحمة على الفيلم ليس لهم تأثير فعلى ولم يبدو وجود احدهم هاما الافى المشهد الذى تقابل من خلاله فريده، عشم (شادى حبشى) فى الاسانسير، لكن في المقابل أضافت على الطابع المميز لهذه الافلام رابطا من نوع اخر هو شخصية عشم الذى احتك مع كل الشخصيات التى ظلت تحارب في سبيل حلمها ولم تجمعه الصدفة مع من قرر الهروب وراضى بحياته كما هى، فكان هو الرابط بين الشخصيات دائما ما يبث بهجته ناشرا فلسفته ساعيا وراء اى عمل تحقيقا لحلمه هو.
باستثناء المخرج محمد خان، وامينه خليل والمخرج محمود اللوزى فالجميع وجوه جديده على المشاهد، التلقائية التى قدمتها نجلاء يونس من خلال شخصية رضا هى الاقوى حيث نقلت مراحل تطور الشخصية بسلاسة فمن الفتاه القادمة من حدود القاهرة والتى تفوح منها راحه العرق بسبب رداءه نوع القماش الذى ترتديه لتعمل فى مول حتى تصل ان تكون بائعة محترفة فى محل للملابس الجاهزة يلخصها حوار الشخصية ببساطه من خلال استخدام مرادفى "الشرز" و"البلوفر" في حديثها، محمد خان وامينه خليل ومحمود اللوزى قدما اداء بسيطا خالى من التعقيد منح خفة لشخصياتهم وجعل منهم الاف المصريين ممن يعانون من نفس المشاكل والآمال، شادى حبشى يمتلك حضورا طاغيا على الرغم من طبيعة مشاهده التى تكون في الغالب صامتة، وكذلك الحال مع ابتسام (منى الشيمى).
الفيلم يبدا حاملا مشاهد طويلة من القصص السته، يقل وقتها تدريجيا مع تصاعد الاحداث في كل منها واقتراب كل قصة من الاخرى، ليسرع ايقاع الفيلم كما اقتربنا من النهاية، المونتاج ساعد لحد كبير في تكوين الصورة الكبرى للقصص الست ولا يمكن ان ينجح هذا النوع من الافلام دون وجود مونتير قوى صاحب رؤيه إلى جانب مخرج العمل وهو في هذه الحاله المخرج والمونتير أحمد عبد الله، العفوية والارتجال كانا السمة الرئيسية للحوار في الفيلم والذى جاء بعد تحضيرات طويلة والكثير من التجارب حتى ان الارتجال وفتح مساحة اكبر للممثلين بدا واضحا انه منهج ماجى حيث يظهر هذا مثلا في مشهد المجذوب وعشم بعد ان خرب له بالوناته التى يبيعها، الفيلم اجمالا يمثل سينما تركز على العواطف وحالات الحنين للماضى في بنائه، التجربة جديده وتستحق كل متابعه خاصة وانه العمل الاول لمخرجته وحاله سينمائية يجب ان تستمر في الظهور بمصر.

الجمعة، 16 مايو 2014

Divergent


نسخة ليست باهته من "Hunger Games"

السيطرة ووجهة النظر الاحادية للحكام سطوتهم على مجتمع بالمنع تحت دعوى فرض الامن ظاهرة فى السينما نراها فى افلام "Fahrenheit 451"  للفرنسى فرانسيسكو تروفو عام 1966، و"Equilibrium" لكيرت ويمر عام 2002، و"V For Vendetta" لجيمس ماكينج عام 2005، حتى عندما تجرى المعالجة على صعيد الخيال العلمى نجد فيلم " Dark City" لالكس برويس عام 1998 حاضرا بقوة، وفى الكوميديا نجد اسقاطا يحمل نفس الشكل فى فيلم "The Truman Show" لبيير وير فى نفس العام، حتى مجال الرسوم المتحركة ضم فيلما ممثلا انتج عام 1954 مستوحى من رائعة جورج اورويل "Animal Farm"، بالاضافة لثلاثية  "The Hunger Games" التى عرض جزئها الثانى العام الماضى، ياتى فيلم  "Divergent" ليكمل السلسال الطويل من الافلام كل على اسلوبة وبطريقته.
المختلفون ومدى القدرة على دمجهم فى المجتمع الذى يسير وفق نظام محدد سلفا، قدرتهم على تحدى هذا النظام ورد الظلم الواقع عليهم واعادة تصحيح المسار، يقدم صناع الفيلم الاختلاف كسلاح ذو حدين القدرة على التحدى والهدم، ومن ناحية اخرى القدرة على التفكير واعادة البناء فى الزمن المستقبلى الذى تعانى امريكا فيه من اثار ما بعد حرب مدمرة، ولاحلال السلام فى شيكاغو يقسم المجتمع لخمس فئات حسب طبيعة وقدرات كل من بلغ ال 16 من عمره بعد خضوعة لاختبار نفسى يوجهه ناحية واحده من الفئات الخمسة، يكون بعده من حقة اختيار الانضمام لاحدى الفئات دون ان يحق له التراجع عن اختياره.
الزاهدون هم الفئة الحاكمة وقت الاحداث، ناكرين للذات فى خدمة الاخريين، السلميين وهم المسئولين عن تقوية الروابط بين الفئات ومساعدتهم، الاذكياء يقدمون مخترعاتهم وطرق تطوير السبل الحياتية، الشجعان هم الحماه ويؤدون وظيفة الجيش والشرطة، واخرهم الصادقين وهم القضاه، من يفشل فى اختبارات الالتحاق باى من هذه الفئات بعد انضمامه يصبح منبوذا لا تقبله عائلته مرة اخرى ويعيش على هامش المجتمع، بناء الفيلم يقترب بشده من فيلم  "The Hunger Games" فكلاهما يعتمد على اصل ادبى فى السيناريو، وكلاهما ينتميان لفئة الانتاج فوق المتوسط التى تقترب من 80 مليون دولار وحققت ايراداتهم اضعاف تكلفتهم وكلاهما اجزاء اولى لثلاثية ممتدة وشركة توزيعهم واحدة هى "Lionsgate" وبطلتى كلاهما فتاه شابة يتحول رمزها الشخصى لايقونه ثورية، لكن مع سير الاحداث فى الفيلم "Divergent" تبدأ الاختلافات فى الظهور، ففى الوقت الذى تحرك فيه بطلة "Hunger Games" كاتنيس (جينفر لورانس) قيمة العائلة وتفدى اختها الصغيرة بنفسها، العكس تماما نجده مع تريس (شايلين وودلى) بطلة الاول التى تقرر الابتعاد عن عائلتها وفئتها وتغير اسمها وجلدهاوتضطرها الاحداث للدفاع عن مجتمعها باكملة خلافا لكاتنيس التى اختارت الدفاع عن قيم محدده والثورة على حكامها، لكن يظل القهر هو المحرك الوحيد للاحداث فى الفيلمين.
يضم "Hunger Games" نجوما اكثر من نظيرة محل الحديث، فباستثناء كيت وينسلت، واشلى جود، وراى ستيفنسون ابطال "Divergent" من الشباب والوجوه الجديدة، وهو ما يعيد قصة نجاح انطلاقة بطلة الاول جينفر والتى حققت نجاحا مدويا بامريكا وسط منافسة شديده بعد عرض الفيلم وفى وقت قياسى، الامر الذى يضع شايلين على نفس الطريق الذى فقدته كريستين ستيورات بطلة "Twilight"، البريطانية كيت وينسلت تحولت تماما حتى تناسب شخصية جنيين، طريقة تصفيف الشعر والحركة حتى طريقة القاء الكلمات وطبقة الصوت حيث تبدو وكانها ممثلة اخرى وهى تقدم هذه الشخصية بكل ما تحملة من برود وقسوة وطغيان.

بالطبع مازال مبكرا تاكيد نجاح السلسلة وبطلتها، لكن اداء الجزء الاول من الثلاثية مبشر جدا على مستوى ايرادات شباك التذاكر الامريكى على الرغم من التشابة الظاهرى بينه وبين "Hunger Games" الذى قد يخلق حالة من التشبع لدى الجمهور خاصة وان عرض اجزاء السلستين متقارب وهو ما قد يعود بالسلب على "Divergent" لكن بطلته شايلين بالتاكيد هى وجه هوليوودى جديد سيمتلئ جدولها بمواعيد تصوير اكثر من فيلم فى الفترة المقبلة.

Transcendence

فيلم عن التناقض لا التفوّق

التناقض هو عنوان فيلم "Transcendence" وليس السعى للتفوق والكمال كما يشير عنوانه، وهذا التناقض حملته المشاهد الأولى للفيلم، وأكده حوار أبطاله وأفعالهم، على رأسهم الباحث فى مجالات الذكاء الصناعى دكتور ويل كاستر (جونى ديب)، الذى يسعى لرسم تفاصيل حديقة صغيرة لتكون الملاذ له ولزوجته إيفلين (ريبكا هول)، أحاطها بشبكة من النحاس لخلق مجال يحجب الإشارات اللا سلكية، تطلب منه زوجته أن يكتفى بإغلاق هاتفه بدلًا من كل هذا العناء وهى تفصيلة قد تبدو تافهة فى البداية، لكن نهاية الفيلم تعتمد عليها، التناقض يبدو واضحًا أيضًا فى سعى المنظمة المناهضة لثورة التكنولوجيا والتى تتسبب فى إصابة كاستر بشكل بالغ وتقتل وتدمّر عدة معامل تعمل على بحثه، يصفهم هو بالتناقض ما بين رغبتهم فى إنقاذ البشرية من سطوة التكنولوجيا وفى سعيهم لذلك يقتلون ويدمّرون.
ما يبدو واضحًا على السطح هو فريقان متضادان حول أهمية الذكاء الصناعى فى حياة البشر وتأثيره عليهم، لكن على مستويات أخرى هو فيلم يركّز على المشاعر، تتعمق مشاهد الفيلم المتتابعة فى تشريحها، حيث يعتمد السيناريو الذى كتبه جاك بجلن فى أولى تجاربه بشكل رئيسى على قصة حب ويل وايفلين، الزوج الذى يعيش فى أحلام زوجته ويحاول تحقيقها بالعلم، والزوجة متفانية فى حب الزوج تسعى طوال الوقت لأن يظلا معًا، الأمر الذى يجعلها تدخل بزوجها إلى مرحلة أخرى من خلال نقل وعيه إلى حالة رقمية تتجسّد عبر شاشة كمبيوتر وخوادم شبكة الإنترنت، ما بين رغبات كلاهما يسير ثلثا الفيلم الأولان فى خطوات بطيئة تشرح تفاصيل العلاقة لحد الملل فى بعض الأحيان، حيث يفرد السيناريو مساحة واسعة فى عرض مبتكرات الزوج الذى تحوّل إلى نسخة رقمية وكأنها قرابينه لنيل رضا زوجته وبقائها جانبه فى حالته الجديدة، وهى تتأرجح ما بين الثقة المطلقة التى بدأت تهتز والشك فى أن زوجها بالفعل هو مَن يكلمها وعيه وليس آلة تحاول السيطرة على العالم، الأمر الذى يدفعها للهرب.
حالة البطء فى عرض الشخصيات والأحداث فى ثلثى الفيلم الأوليين نقلت حالة الشك التى صاحبت الصديق المقرب لويل، ماكس (بول بيتانى) وانتقلت إلى عدد من المحيطين به، حتى مع تسارع الأحداث مع اقتراب النهاية، ظل الشك والقلق يصاحبان المشاهد، والمشاعر تتحوَّل بسرعة ما بين الحب والكره، الثقة والشك، وهو الأمر الذى انعكس على أداء الممثلين، على رأسهم ديب الذى عبّرت شخصيته التى اتّسمت بالهدوء عبّر عنه بشكلين، الخالى من المشاعر والانفعالات فى نسخته الرقمية، والمحب الداعم لزوجته حتى فى أشد اللحظات خطرًا على علاقتهما، ربيكا جعلت التحوّل من اليقين المطلق وإيمانها بزوجها إلى الشك ملحوظًا بأدائها، حتى إن بعض المشاهد التى تضم مشاعر متضاربة عبّرت عنها باقتدار جعل أداءها طبيعيًّا، فريمان الذى ظهر على استحياء ولم تؤثّر شخصية جوزيف على الأحداث بأى شكل ليبدو الأمر وكأنه مجرد استغلال لاسم نجم كبير دون وجود تأثير يُذكر، وإلى فيستر الذى يقدّم تجربته الأولى كمخرج بعد مشوار طويل كمدير تصوير، وكثنائى مع المخرج كريستوفر نولن فى معظم أفلامه، والأمران اللذان انعكسا على صورة الفيلم بشكل إيجابى لحد كبير تحديدًا فى اللقطات التى ضمّت خدعًا بصرية بشكلها النهائى، وفريق العمل الذى ضم وجوهًا دائمة العمل مع نولن، منهم سيلين مورفى الذى لم تكن لشخصيته أيضًا أى دور مؤثّر أو مهم بالأحداث، أهم ما يميّز الفيلم هو موسيقى مايكل دانا التصويرية، التى سارت على نفس خطى حالات التقلّب والتضاد التى رسمها السيناريو، وترجمها الممثلون، تتحوّل مع الحدث من حالة القلق إلى الهدوء فى ثوانٍ معدودة، الجمل الموسيقية المتتابعة تحمل روح الشك وتسير مع تغيرات وجه الممثل لتصل معه إلى اليقين بنقلات سريعة فى النوعية.
إجمالًا، الفيلم متوسط الجودة يضم نجومًا كبارًا، بعضهم موجود باسمه فقط، السيناريو يضم كثيرًا من المشكلات قد تدفع مَن يرى الفيلم بالملل، أبقى عليها المخرج لكنه ركّز فى رؤيته على إظهار جوانب من الحميمية بالتركيز على تلامس الأيدى واللقطات القريبة، ويحمل جوانب على قدر كبير من التميّز، منها الموسيقى التصويرية، وأداء جونى ديب والإخراج العام للصورة، لكنه على الرغم من ذلك عانى من صدمة الأسبوع الأول لعرضه بأمريكا، ولم يحقّق سوى 10/1 من تكاليف إنتاجه.

الخروج للنهار


صناعة الملل بنجاح

تحت راية "المستقل" و"العميق" فى فن السينما تسبح اشكال والوان من المشاهد التى تضم افكار وتجارب صناعها تتجمع هذه المشاهد فى فيلم، اكثرها جيد وبعضها يفتح المجال امام المتلقين للتفكير والشعور بشكل مختلف وبعضها لا يتعدى كونه تجربة ذاتية، اهميته تبقى فقط فى عين صناعه ودائرتهم الصغيرة من الاصدقاء، وجزء لا يستهان به لا يقدم افلام من الاساس مجرد هواه يصنعون اشباه افلام، تحت راية المصطلحين يعمل الصناع مقدمين عشرات من الافلام ينقسم متلقوها لمعسكرين متضادين لا مجال لفريق وسط، الاول يرى الفيلم رائع وعظيم ولا يجوز المساس به، والاخرى يرى العمل ملئ بالمشاكل ولا يستحق كل الضجة المثارة حوله.
فيلم "الخروج للنهار" مستقل بحكم طريقة انتاجه وما يقدمه، وعميق حسب اختيار صناعه لجملة "علامة فى السينما المصرية بعمقه وتعدد مستوياته وقيمه وايقاعه" التى نُشرت بجريدة الحياة فى وصف الفيلم لتتصدر الافيش الرسمى، القصة بسيطة عن شابة لم تتزوج تعانى هى ووالداتها بسبب مرض الاب العجوز الذى يصارع الحياة بالموت، زمن الفيلم هو يوم واحد من نهاره للنهار الذى يليه، خلال اليوم نتعرف على طقوس هذه العائلة المتكررة،  وكما بدا النهار انتهى بقصة دون اى حدث رئيسى واحداث ومواقف غير متكملة من كثرة ما نراها حولنا وتأصلت كمشاكل اصبحت تمر دون اثارة اى رغبة فى فتح مجال للتفكير او محاولة مواجهتها فقط محاولات التكيف معها، الحب والزواج مشروع فشل بالنسبة للفتاة، اب يرغب بشدة فى الموت من الملل، ام تحمل عبء العمل وتحمل مصاريف البيت وتشارك الابنة فى حمل عبء الزوج.
الحوار فى الفيلم غير موجود تقريبا، فقط بعض الجمل المقتضبة بين الام والابنة، والاخيرة والاب حيث يعتمد الفيلم بشكل اساسى على الصورة فى رسم وتفسير العلاقات والمشاعر، منذ اللحظات الاولى اداء صاحبة دور الام (سلمى النجار) والابنة سعاد (دنيا ماهر) يبشر بنار تحت الرماد نظرات متحفزة من الابنة، نظرات جانبية تحمل غضب احيانا، ولا مبالاة احيانا اخرى، وكانهم متنافستين او عدوتين وينذر الاداء بظهور مشكلة فى الافق، هذا الاداء جاء عكس الجمل الحوارية بينهما التى تحمل الكثير من الحنان والترابط، وما بين اداء الابطال الذى خلق حالة من التحفز والحوار الذى يسير فى اتجاه اخر تبدا حالة التشتت وهى الحالة التى تستمر طوال الفيلم، يسير الحوار فى اتجاه والاداء فى اتجاه اخر، بالطبع الاداء مميز لبطلتى الفيلم لكنه لا يتفق مع الحوار للحد الذى يدفع للتساول ما السبب وراء حالة التوتر والعدائية وسط ما هو مفترض انه نشاط يتكرر يوميا المنطقى ان يُعبر عنه بالملل وليس العدائية والغضب حتى نهاية الفيلم.
شخصية فتاة الميكروباص التى تقتحم الاحداث وتدخل وتخرج منها بشكل مفاجئ، تعبر عنها دعاء عريقات باداء مفتعل ومبالغ وطفولى شديد المباشرة يحمل صورة نمطية للمريض النفسى فى السينما لا علاقة لها بالواقع، المشهد باكمله وقع فى فخ الهواية واستمرار غياب سيطرة مخرجة الفيلم هالة لطفى على الاداء، حتى الاداء المتماسك لدنيا طوال الفيلم تاثر كثير فى هذا المشهد الذى تعالت ضحكات الحضور على الرغم من جديته اثناء عرضة الخاص كلما تكلمت دعاء، وهذا لا يدل الا على استمرار حالة الضبابية فى توصيل المعنى للمتلقى والذى تقع مسئوليته الكاملة على المخرجة، الراحل احمد لطفى صاحب شخصية الاب قدم اداءا عبقريا يتنفس دون ان يحيا، على الرغم من انها المرة الاولى التى يقف فيها امام الكاميرا ممثلا، فقط ايام تتالى وهو غير مهتم مشلول مستسلم لايدى زوجته وابنته، نائم طوال الوقت ينظر بعين غابت عنها الحياة والرغبة، وعندما تحدث قال بصوت متقطع "زهقان".
مع استهلاك دقائق الفيلم الـ 96 وبعد مرور ثلثه الاول تبدأ حالة انتظار الحدث فى الغياب وتحل حالة من الملل، السبب الاول فيها كثرة وجود النماذج التى يعبر عنها ابطال الفيلم فى الحياة الحقيقية، وهى ليست ظاهرة جديدة يرصدها الفيلم ويلقى عليها الضوء ويفتح مجالا للتفكير والبحث ورائها، ويمكن القول انها تجربة ذاتية يعيشها الكثيرون حول العالم سواء اغنياء او فقراء، عرضتها المخرجة برؤية غابت عنها مسحة الخيال والسحر الذى يغلف فن السينما، رجوعا لعام 2013 فاز فيلم “Amour” بجائزة الاوسكار افضل فيلم اجنبى، مخرجه مايكل هنكة تصدر لنفس المشكلة تقريبا زوجة تصاب بسكته دماغية ويبقى الزوج جنبها لرعايتها ويمر شريط الفيلم مصورا تفاصيل ادق وفى مدة عرض اطول بلغت 127 دقيقة، وكانت الكاميرا معظم زمن الفيلم حبيسة منزل الابطال برؤية اقل وصف لها انسانية وخلابة، لكن فى حالة "الخروج للنهار" يصبح الفيلم وكانه خبر جامد نقراءه من جريدة يقدم حقائق مجردة لا تلمس المتلقى انسانيا سلبا او ايجابا، الامر الذى خلق فاصلا بين الابطال والمتلقى كثف هذا الشعور غياب الجمل الحوارية واستبدالها بالصورة التى تركز على التفاصيل الصغيرة والتى زادت لحد الملل فى اغلب المشاهد فى محاولة لاضفاء حميمية بين الابطال والجمهور لكن زيادتها خلفت تاثير عكسى.
خروج الفيلم بدون موسيقى تصويرية والتى تعد واحدة من اهم الادوات المساعدة استغلالا من قبل المخرج ليسد فراغات كثيرة فى العمل وحلقة وصل فى تاكيد توصيل مشاعر بعينها للمشاهد، المخرجة قررت الاستغناء تماما عن هذا العامل على الرغم من احتياج الفيلم له لكسر حالة الصمت والملل التى صاحبت مشاهده حتى مع تتر النهاية الذى عرض اسماء فريق العمل صامتا على خلفية سوداء، وما سعت المخرجة من وراءه تضخيم شعور المتلقى بحالة الرتابة والملل ضاع بسبب الرؤية التى غاب عنها الحوار، والموسيقى التصويرية، والتحكم فى اداء الممثلين، وهو ما جعل دقائق عرض الفيلم وكانها دهرا.
الديكور واماكن التصوير عبرت عن القدم والعراقة وليس الفقر، تفاصيل الشقة القديمة والحى الذى تسكن فيه الاسرة عتيقة، الامر الذى لا يرتبط بشكل بديهى مع الفرق، التفاصيل التى ركزت عليها المخرجة فى رؤيتها من صور قديمة والمروحة العتيقة وغيرها لا تشترط بالضرور حالة الفقر التى رسمها الحوار فى اكثر من موضع، لم يخدمه الديكور بل سار فى اتجاة اخر كذلك الحال مع ملابس الشخصيات سواء التى ارتدها الابطال فى المنزل او الشارع، حتى ملابس الاب لم تكن باليه على العكس مثلها مثل الديكور العتيق تنتمى تصميماتها لفترة زمنية سابقة لكنها ليست بالية او مستهلكة.

انتماء اى فيلم للسينما المستقلة لا يعيب ولا يعد وصمة عار حتى تتنصل المخرجة فى تصريحاتها من المسمى معلله ذلك بانه سبب فى عزوف كيانات الانتاج عن دعمهم، مع ان اللفظة نفسها قادمة من استقلال الصناع عن هذه الكيانات والمناخ العام السائد فى الصناعة لافاق اكبر من الحرية فى الطرح والتنفيذ، وايضا السينما التجارية ليست وصمة عار وصناعها ليسوا فى مرتبة ادنى من نظرائهم، على العكس الجمهور نفسه يذهب لكلا الاتجاهين حسب اهواء فئاته، والامر فى النهاية لا يعتمد بشكل كبير على صناعة الفيلم بل يعتمد على عوامل عديدة على راسها معرفة الشريحة المحتملة التى اريد للعمل الفنى ان يصل اليها، ووضع ذلك فى الاعتبار عند الطرح والعرض، وتحقيق التوازن بين الفن والصناعة ليس جديدا وليس تقليلا من دور ايا منهما، محمد خان صنع فيلما على مستوى عالى جدا بصريا واضعا شباك التذاكر نصب عينه ونجح فى ان يحظى باشادات المتخصصين كتابتة والجمهور ايرادا، على الرغم من كونه مستقل انتاجيا، محاولة فرض شكل من اشكال العمق فى الطرح ظاهريا وعن طريق تصريحات الصناع لخلق جمهور نوعى شديد التخصص يجعل من الفيلم والصانع ضعيفا غير قادر على الوصول لشريحة جمهور اكبر، لو حاول الوصول سيفشل.

الجمعة، 28 مارس 2014

فتاة المصنع



خان وفتاة مصنعه


مجتمع آخر وقواعد أخرى ينقلها محمد خان بفيلمه "فتاة المصنع" إلى الجميع، دعوة للمتابعة والتأمل فى حياة مجموعة من المصريين أصبحوا هم الشغل الشاغل للسينما المصرية مؤخراً، وأصبحت قصص وحكايات المناطق الشعبية ومغامرات أبطالها هي ما يريدها جمهور الأفلام فى المواسم، خان ومؤلفة الفيلم وسام سليمان ذهبا لنفس المنطقة، لكن بمقاييسهم بدون راقصة وموسيقى من نوعية المهرجانات، فقط هيام (ياسمين رئيس) الفتاه التى تعمل فى مصنع ملابس جاهزة وتتحول حياتها بسبب مشاعر الحب التى تكنها لمشرف المصنع الذى تعمل به، الفيلم عن حكايتها مع من حولها، أم ورثت عنها قوة شخصية وحنكة فى المواجهات، وخالة استمدت منها القدرة على المراوغة وايجاد حل لأى مشكلة، وجدة أخذت منها قسوة تستخدمها أحيانا عند الاحتياج، وصديقة وزملاء عمل وزوج أم وحياة كاملة تدور حول الفتاة الشابة من وإلى الحارة الشعبية حيث البيوت المتلاصقة وغياب الخصوصية.
محمد خان بفيلمه يقدم نظرة أخرى لموجة أفلام الحارة والمناطق الشعبية وشخوصها، مانحاً هذا الشكل الجديد قبلة حياة بعد ما تعرض للعديد من الانتقادات بسبب التدنى الفنى فى التناول، ومن خلال العودة لطريقة تناول الموضوعات الاجتماعية فى السينما أربعينات وخمسينات القرن الماضى، وبكلاسيكية شديدة الحدة يعرض خان تفاصيل حياة فتاته ومعها مصر، أقترب من كليشيهات أفلام الأبيض والأسود والتى قد تؤدي لانهيار العمل ككل وتضعفه فنياً لكنه لم يستخدمها، وكل ما تظن أن العمل سيقع فى هذا الفخ يخرج خان بمنتهى السهولة ومعه نقطة قوة فى سير الأحداث.
الثورة المصرية التى أعلن المخرج الكبير مرارا أنه لن يتناولها فى عمل فنى قبل مرور سنوات، مرت مرور الكرام فى الفيلم فى مشهد قد يبدو لأي عين وكأنه مفتعل غير حقيقى، لكن مع التدقيق ستجد أن الهتافات المسيطرة هى لنصره المرأة وحثها على الاستمرار في نضال عادات سيئة فى مجتمع لا يحترمها، لتبدو المظاهرة وكأنها عنصر مكمل بديلا عن الموسيقى التصويرية فى مشهد المواجهة بين هيام ومن تحب، والتى حسمتها لصالحها، ليس للمظاهرة أي غرض سياسى ولم يحد خان عن قراره حتى مع اللقطات التى تظهر جرافيتى باهتا غير واضحة معالمة فقط يدرك العقل هذا اللون من الفن دون أن يظهر شعار سياسى أو توجه ما، فقط جرافيتى الراحلة سعاد حسنى المُهدى لروحها الفيلم هو فقط الواضح، لتبقى الرؤية الاجتماعية فقط وتغيب السياسية.
لم يعتمد خان فى رؤيته الفيلمية على سيناريو وسام سليمان ورسم شخصياتها عبر دقائق الفيلم الأولى بالحوار المتبادل بين أبطاله، لكنه اعتمد بشكل كبير على لغة السينما، واستعاض عن الحوار بالصورة فى مواقف عدة، منها حالة الضيق التى عانتها البطلة بعد فشلها فى لقاء من تحب، تسير بمحاذاة سور مترو الانفاق المرتفع على رصيف صغير يمينا، يوازيها يساراً كوبري ضخم، اللقطات من زاوية مرتفعة تنظر لأسفل، من أعلى السماء مفتوحة والاتساع والالوان الصافية تسيطر على كل شئ، لكن بجانب البطلة ضيق ولون رمادى وطريقتها فى السير بطيئة محبطة، هى لا ترى التفاؤل وقدرتها على المقاومة لكن المشاهد يراها فى جرافتي سعاد حسنى المستقر على بداية السور والذي أصبح أيقونة فى مقاومة المرأة لعادات المجتمع المناهضة لها.
استخدم المخرج أيضا تفاعلات شخصيات الممثلين فى خلق حكايات وقصص ترك تصوراتها للمشاهد، دون أن يكون للحوار دوراً فيها، المشكلة التى بدأت باختبار حمل غير معروف صاحبته لمح المخرج بالصورة عن قصته فى مشهدين صامتين، خروج البطلة من حمام المصنع لتقابل فتاة اخرى تعمل معها، والثانى عندما انتشرت الشائعات بنظرة من الفتاة التى قابلتها البطلة أثناء خروجها من الحمام، وكأنه يدلل أنه فى هذا المجتمع كل شيء مترابط وهناك العشرات من القصص غير المحكية التى قد لا يترابط أطرافها لكنها تؤثر فيهم على الرغم من عدم معرفتهم الوثيقة ببعضهم البعض.
اختيار وحركة شخصيات فتيات المصنع وعاملاته ورئيستهم داخل الفيلم اتسمت بعدم وجود أي شيء مميز أو لافت فيهم، ومعهم بعض أبطال الفيلم الذين تاهت اسمائهم مع زحمة الأحداث كإشارة للتعميم وللتأكيد على كثرة وجودهم، فهم كالنماذج تجدهم فى كل مكان، اختيار أماكن التصوير مع حركة الكاميرا فى الأماكن الضيقة الفقيرة ماديا التى تمثل أغلب مشاهد الفيلم جعلت رؤية خان باستخدامه للألوان المبهجة الحارة غنية بالمشاعر والحيوية، وضيق المساحة تحول لحميمة شديدة بين الشخصيات، يكفى فقط أن تقف البطلة فى البلكونة وتنطق باسم صديقتها نصرة (ابتهال الصريطى) حتى تجد استجابة من شباك يبتعد عن البلكونة أمتار قليلة، والتصوير في هذه الظروف مع ضيق المساحات حمل عبئه مدير التصوير محمود لطفى.
سلوى محمد على، وسلوى خطاب، أصحاب شخصيتي الأم والخالة، لا يمكن وصف أدائهم سوى بكلمات تعبر عن التمكن والموهبة، هذا ليس جديد على كلتاهما، فقد أصبح من الطبيعى والمنطقى عندما يقرران أداء شخصية، أن تظهر هذه الشخصية بكامل بهاءها مضاف عليها تفاصيلهم وترجمتهم الادائية لها بشكل يجعل كل شخصية وكأنها بصمة وراثية لا تتكرر، ياسمين رئيس عبرت عن قوة وصلابة الشخصية وخوضها حرب شخصية ضد الجميع فقط بتحمل كم من الاهانات لتثبت موقف وأن من حقها الحب، النجاح والفشل بقواعدها دون الخوض فى شرفها وعرضها، على الرغم من صعوبة ذلك لأن الصورة التى ستتكون سريعا عند مشاهدة هيام هى فتاة شابة تقع فى الحب للمرة الأولى، تحمل أحلامها فوق جسد ضئيل، وهو الأمر الذى ألقى كامل العبء على قدرتها التمثيلية لتعويض هذا الفارق، الذى يعبر فى حقيقته على رمزية الصراع الحالى بين المرأة والمجتمع ونظرته لها، هانى عادل أيضا نجح فى كسر الايهام الذى صنعته أدواره السابقة والتى لا تضم شرا مطلقا، ونجح فى أن يكون نذلا شرقيا باقتدار.
لعل أكثر ما يميز الفيلم كونه طبيعيا ولا يحمل أي علامة مميزة، هو ببساطة جزء من هذا المجتمع لا يدركه الكثيرون، عنصرية ضد المرأة، وعنصرية بين أبناء الطبقة الواحدة بسبب اختلاف الخلفيات الثقافية، وعنف يلجا إليه البعض عندما لا يوجد سبيل آخر للحل غيره، يحمل جمالاً من نوع خاص وبهجة حتى فى أشد مواقفه سوءا، هو فقط جزء غير مرئي من الواقع الحالي، رفضه أو قبوله لن ينفي وجوده.

الاثنين، 11 مارس 2013

Cloud Atlas

 المكياج ليس كل شئ

حلقة وسلسلة ممتده من الأفعال التى تحدد من أنت، وكيف تواجه الحياة وما تلقيه عليك من أسئلة يومية تطالبك بإتخاذ قرار ربما يحدد مسار مختلف فى حياتك، هل تختلف أفعالك وإجاباتك لو كنت فى زمن مختلف؟ “Cloud Atlas” فيلم يصنع رؤيته ويقدمها لك لتقرر إجابتك عن هذه الأسئلة من خلال تتبع حياة مجموعة مختارة من الأشخاص فى أزمنه مختلفة يختلف شكلهم قليلا ويحملون أسماء وخبرات مختلفة، البعض يعيش فى الماضى أو المستقبل القريب أو البعيد على الأرض وخارجها، صانعا علامة إستفهام ضخمة من خلال تنقله خلال كل هذه الأزمنه التى يستطيع المشاهد وضعها بسهولة أمام النمط الذى يعيش به البشر حياتهم متسائلا عن النهاية.
الثورة على نمط الحياة الإستهلاكى هى الفكرة الأهم التى يطرحها الفيلم، وتستطيع تمييز هذه الروح العدائية ضد تجار البشر التى تظهر بوضوح من خلال نسيج الفيلم فهم تجار رقيق الماضى والمستقبل، وتجار الموارد التى تتحكم فى البشر، وهم السبب فى دمار الكوكب حسب رؤية الفيلم فى المستقبل، هذه الروح ترجمها سيناريو الفيلم من خلال بناء قد يتسبب فى إثارة حيرة المشاهد حيال ما يريده صناع الفيلم خاصة فى النصف الأول من الفيلم الذى تتوالى مشاهده من خلال سرد متوازى للقصص الصغيره المكونه للصورة الكبرى التى يمتد زمنها لمئات السنوات، تختلف فيما يتصارع عليه الأبطال ويتفقون فى طبيعته، حيث الطمع وحده هو المحرك لهذه الأحداث، لتخرج الشخصيات من صفحات السيناريو لتترجم هذه الأفعال لخدمة الخط العام الخفى داخل أحداث الفيلم وهو ما قدي يصيب المتابع بالملل فى نصف الفيلم الأول بسبب غياب رؤية واضحة عن هذه الشخصيات وأفعالها خاصة وأنهم أبطال هذه القصص، لكن المكياج والديكور يلعبان دورا أساسيا فى تفصيل القصص وأزمنتها حتى وإن اتفق كل بطل من أبطالها فى طبيعة شخصيته وطريقة تفاعله فى كل فصل من فصولها.
تصاعد الأحداث فى الأزمنه المختلفة يستحق التأمل لأنه يسير بنهج منظم حاول الأخوان وتشاوسكى كاتبىَ السيناريو ومخرجىَ الفيلم أن يحافظوا على حالة التساؤل حول المغزى لفترة طويلة من الفيلم، ثم تطعيم الحوار بالدلائل بدفعات صغيرة خلال النصف الثانى حتى نصل للنهاية التى نرى من خلالها كوكب الأرض نقطة لامعة مرتعشة فى السماء، المكياج فى الفيلم عنصر وعامل أساسى فى تفسير منطقية وسير الأحداث لكنه هو نفسه غير منطقى ومبالغ فيه، هو دائما المفتاح وخط الدفاع ضد اختلاط الشخصيات وأزمنتها، لكنه زائد عن الحد المطلوب حيث بالغ صناع الفيلم فى استخدامه حتى أصبح عائق وحمل أكبر على الممثل يمنعه من استخدام أدواته بالشكل الذى يمتع المشاهد الذى قرر مشاهدة فيلم يضم كل هذا الكم من النجوم، والذى يحمل كل منهم وحده فى أحيان كثيرة مسئولية فيلم كامل وحده.
تواجد العديد من الجنسيات فى الفيلم جعله وكأنه برج بابل والقضية محل النقاش تهم العالم كله، فمن الولايات المتحدة ياتى توم هانكس وهال بيرى وسوزان سارندون، ومن أستراليا هوجو ويفنج، ومن بريطانيا هيو جرانت وبين ويشو وجيم ستارجس وجيم برودبنت، والكورية الجنوبية دونا باى، بالإضافة إلى أصول الثنائي وتشاوسكى البولندية، وهو مالم يتم استغلاله بشكل جيد وتم إفساده بالمكياج الذى بدا وكأنه محاولة للتفوق لكنه أثر بنتيجة عكسية حيث لم أجد أي داعى للجهد المبذول لتحويل دونا باى لفتاه أرستقرطية شقراء، أو تحويلها فى قصة أخرى لعاملة مكسيكية فى مصنع، كذلك الحال مع هوجو وافينج الذى تحول لإمرأه قوية البنيان، وهال بيرى إلى خمرية تحمل ملامح أوروبيه فى قصة أخرى، ليفتح باب التساؤل حول الداعى لكل هذه المجهود لإخفاء الملامح الشخصية للأبطال باستخدام المكياج مع أنه من الأسهل الإستعانه بممثلين آخرين خاصة وأن تعابير وجه الممثلين فى بعض الأحيان دفنت تحت كل هذا الكم من المكياج.
الموسيقى التصويرية للفيلم لم تحمل أى تميز، حلت على المشاهد باهته، لا تحمل صبغة مميزة تجعلك تتذكرها بعد نهاية أى مشهد أو حتى مع نهاية الفيلم، فقط اللحن الكونى الذى يحمل الفيلم اسمة "سحابة أطلس السداسية" التى كتبتها إحدى شخصيات ليسقط رمزها على شخصيات كل القصص التى سعوا جميعا للوصول لنهاية وإنقاذ الجنس البشرى.