أمريكا على اعتاب الحرب الأهلية، ولايات الجنوب مستمرة فى عنصريتها تجاه
الملونين ويعانى "الأفرو- امريكان" وقتها من العبودية وولايات الشمال تبدأ
فى تطبيق السياسات الرافضة لهاوتنادى بالمساواة،وسط هذا الوضع المحتقن يبحث
صائد جوائز المانى يدعى "شولتز" عن مدانون بارتكاب جرائم قتل وسرقة لكنه
لا يعرف اشكالهم، وبحثه يقوده لاسم عبد يدعى "جانجو" كان ملك لصاحب مزرعة
عمل بها هؤلاء المدانون، يشتريه بعد تاكده انه سيقوده لهم فى مشهد يحكمه
القوه والدم وصوت الرصاص كما هى عاده الغرب الأمريكيوقتها، ليبدا كلاهما
رحلة البحث عن الكثير من المفقودات فى هذه الفترةالتى ادت احداثها إلى
اطلاق سلسلة من الحريات داخل المجتمع الأمريكي.
العبودية ليست فى القيد أو الصك الذى يمنع اى شخص من الانطلاق حرا، وليست
ايضا فى اللون او المعتقدات السياسية والدينية، على العكس وفى كثير من
الأحيان يخلق الشخص عبوديته واحيانا اخرى يُجبر عليها جبرا، لكن عندما تاتى
الفرصة ليكون حرا يستغلها ويتحرر او يرفضها وتزداد عبوديته، هذا ابسط ما
يمكن إدراكه مع تتابع مشاهد وجمل حوار فيلم "Django Unchained"الذى يعد اقل
وصف له انه ملحمة متكاملة تكشف الكثير من الأوضاع فى امريكا قبل الحرب
الأهلية وحاليا، فتكوين المجتمع الأمريكي لم يختلف كثيرا عما سبق مازالت
العنصرية سائدة على الرغم من مرور عشرات السنوات على ثوره التحرير التى
خاضتها الولايات المتحدةلمنح الحقوق للملونين والمراه، لكن التركيبة
الحالية زاد عليها العنصرية المضادة التى يتبناها عدد غير قليل من الملونين
مؤكدين انهم الجنس الأسمى واجدادهم هم من بنوا مجد امريكا، مخرج الفيلم
كوينتين تارنتينو نفسة متحرر من سطوه هوليود على الرغم من كون افلامه تخرج
بإمضاء شركات إنتاجها الضخمة، فهو يحمل طابعا خاصا يميزه عن باقى المخرجين
فى العالم ولا توجد مبالغة عند التاكيد أنه واحد من اهم 10 مخرجين فى
العالم لو وجدت مثل هذه القائمة، بداية هو من الجيل الذى تربى سينمائيا على
افلام السبعينات وافلام تشارلزبرونسون، وإطلاق الرصاص والدم الذى يصاحب
المشاهد منذ بداية الفيلم وحتى انتصار البطل فى النهاية، بالإضافةلأفلام
الغرب الأمريكي التى كانت مؤثره ومنتشرة منذ فتره اسبق، وهو ما ينعكس على
اسلوبه فى المعالجةالمتأثر بهذه المرحلة سواء فى شكل كتابة "تيتر"
البداية، او باستخدامه فلاتر لتقترب الصورة من الشكل والجودة التى كانت
مستخدمه وقتها، او المونتاج الذى يحرص فى احيان كثيره ان يكون حادا وواضحا
ليتطابق مع تقنيات ستينات وسبعينات القرن الماضى، ويكفى لهذا مثلا أن ينتهى
الصراع بين جانجو وستيفن بالسباب الشهير الذى أنتهى به فيلم "الطيب
والشرس والقبيح" عندما ترك الطيب، القبيح مقيدا فى وسط الصحراء والمقابر
ليقطع سبابة موسيقى الفيلم التصويرية.
تارنتينو وضع بيضه كله فى سله واحده مع فيلم "جانجو" لنرى من خلاله الحال
فى ولايات الجنوب المؤيدة للعبودية كما يراها من خلال عدد من الشخصيات
والأحداث التى يعلم المشاهد استحالة تواجداها بأمريكا فى مثل هذا الوقت،
لكن تارنتينو الذى كتب سيناريو الفيلم نجح ان يضع هذه العوامل فى إطار
المنطقى والمقبول داخل الفيلم بان أضفى عليها صفة عدم المنطقية داخل
الأحداث فهو مثلا افرد مشهدا كاملا بجمل حواريه بين "جانجو" ومحرره ورفيقه
صائد الجوائز "دكتور شولتز" عندما ابدى الاخير استغرابهمن نظرات الدهشة على
وجوه الصينيين واصحاب البشرة السمراء المترجلين عند رؤيتهم "جانجو" على
ظهر حصانه، وهو ما فسره العبد الثائر بانهم لم يشاهدوا صاحب بشره سمراء على
صهوة جواد من قبل، وجود "شولتز" نفسة فى هذا التوقيت غريب فهو الألمانى
الجنسية وطبيب الاسنان المهاجر لأمريكا ليقتل مجرميها ويحصل على نقود مقابل
رؤوسهم، وفى نفس الوقت هو مناهض للعبودية ويكره هذا المنطق فى المجتمع
الأمريكيالذى يعمل هو من خلاله، نقطة اخرى طرحها الفيلم، هى تجار العبيد
الأفرو- امريكيين والذين يستغلون معرفتهم ببنى عمومتهم ليزيدوا من عذابهم
وسيطرة البيض عليهم.
ملحمة تارنتينو تسير على خطى نمو اى انسان فى البداية الميلاد وتحرر
"جانجو" ثم نموه وخطواته الصغيرة التى صاحبه خلالها "شولتز" ثم فتى يتعلم
حرفه، فشابا يدافع عن زوجته، ثم رجلا يخطط ويدافع عن وجوده ويصنع حيزه فى
الحياه، وصولا لصاحب فكر واناركى ثائر على الأوضاع السيئة، وفى النهاية رب
اسره يرسم مستقبلا يملكه هو وزوجته، تارنتينو رسم شخصياته داخل السيناريو
ثم ترجمها امام الكاميرا باختيارات لا يمكن ان تكون افضل، فـ "شولتز" هو
النمساوى كريستوفر والتز الذى وضع بصمته على السينما الأمريكية عن طريق
تارنتينو بعد أن قدمه للمرة الأولى فى اميركا من خلال فيلم
"Inglourious Basterds" وحاز عن دوره فى الفيلم على جائزه اوسكار افضل ممثل
مساعد، وحاز على ترشيح لنفس الجائزة عن دوره فى الفيلم، والتز يتميز بانك
لا تستطيع أن تحدد إذا ما كان غاضب او هادى، سعيد أم حزين، وفى نفس الوقت
يصل لك تماما الاحساس الذى يعبر عنه، وهو ما ينطبق على شخصية "شولتز" دائما
ما تقف امامه ادائه محاولا فهم ما هى ردود افعال الشخصية داخل احداث
الفيلم، "جانجو" هو جيمى فوكس والدور الرئيسى الذى يتطلب تغيرات وتطور دائم
فى طبيعة الشخيصة وردود افعالها فهو صامت مندهش فى البداية ثم صاحب راى
فيما يرتديه من ملابس، وهو ايضا ممثل يلعب دوره ببراعة لدرجة تقنع "كاندى"
الثرى صاحب الهوس بالمصارعة وهى الشخصية التى يمسك زمامها ليوناردو دى
كابريو، ليقدم جيمى تمثيل داخل التمثيل فتقمصه لشخصية تاجر العبيد داخل
الفيلم ترجمها بسهوله إلى وجه جامد وقسوة ولسان سليط حتى فى حديثه مع
"كاندى"، خلافا لشخصيته الاساسية لكن كثيرا ما يٌذكر المتابع أنه مازال
"جانجو" الباحث عن زوجته والحرية، بنظره عين مشفقة على عبد تمزقه الكلاب
لكن وجهه يحمل نفس القسوة، وفى امتداد يده لسلاحه مهددا بكشف دوره عندما
شعر بخطر على زوجته، صامويل أل جاكسون قام بدور "ستيفن" مدير منزل "كاندى"،
العبد المخضرم صاحب الحيلةالواسعة، والذى يمثل عقل كاندى بحكم العشرة
الطويلة بينهم، ويستحق اداء كلاهما – جاكسون ودى كابريو- جائزة افضل ممثل
مساعد منفردا بالإضافة لوالتز.
الموسيقى التصويرية التى قدمها الفيلمتنتمى لنوعيه "الكانترى"
المميزةلأفلام الغرب الأمريكى، لكن بما ان بطل الفيلم أمريكى من اصل افريقى
فلا مانع من تجد أغنية كاملة او مقطوعات قصيره تنتمى لموسيقى الهيب هوب أو
الراب، الذى جاء تطويرهم على يد أفرو- امريكان منذ بداية الثمانيات، ولم
يكن هذا اللون موجودا بالطبع اواخر القرن الـ 19 زمن احداث الفيلم، وهو ما
يمكن وصفه بانه اشاره لتميز الامريكيين من اصول أفريقيةوقدرتهم على الإبداع
خلافا للراى الذى تبناه "كاندى" فى الفيلم بان الملونين قدراتهم لا تتعدى
العمل الشاق والطاعة العمياء، أخيرا اختيار تارنتينو لزمان ومكان الأحداث،
المكان عدد من ولايات الجنوب، ونصف الفيلم الثانى يدور فى ملكيات كاندى فى
ولاية مسيسبى وهى المشهور عنها عنصريتها الشديدة وكراهيتها لغير البيض خاصه
الافرو- امريكان، والزمان بالطبع قبل الحرب الأهلية الكبرى بعامين والتى
انتهت بسقوط الجيش الكونفدرالى الذى شكلته ولايات الجنوب، دفاعا عن رغبتها
فى استمرار قوانين العبودية وتحديا لتوجه الرئيس الأمريكي وقتها إبراهام
لنكولن، فى النصف الأول من الفيلم يلفت النظر مشهد ظهور مجموعه من رعاه
البقر العاملين فى مزرعة "بيج دادى" والتى قتل فيها "جانجو" المجرمين
الثلاثةالذين كانوا هدف "شولتز" وسبب معرفته بالعبد الثائر، ظهور رعاه
البقر مع ولى نعمتهم "بيج دادى" الجنوبى المتعصب، جاء على هيئة "كوكلوس
كلان" الجماعة العنصرية التى كان عقابها الوحيد هو القتل شنقا دون محاكمات،
والمعروف تاريخيا ان هذه الجماعة ظهرت للمرة الأولى بعد انتهاء الحرب
الأهليةوتكونت من مقاتلى جيش الجنوب فى ولاية"تنيسي" ومشهورين بارتداء
ملابس واقنعه بيضاء، وليس فى زمن احداث الفيلم، المشهد ساخر وحوار استمر
لدقائق وانقلب من البحث عن جانجو وقتله إلى مشادات كلامية حول أن جميعهم لا
يرى بشكل جيد بسبب رداءه الأقنعة التى يرتدونها والتى صنعتها زوجه احدهم
ويوبخونه لعدم قدرتهم على الرؤية، فى رمزيه شديده لانعدام رؤيه هذه الجماعة
العنصرية سواء مع بداية ظهورها او فى نشاءتها الثانية بعد الحرب العالمية
الأولى، او الثالثة فى الخمسينات ليصل عدد اعضائها حاليا إلى 5000 عضو، بعد
ان كان رقما بالملايين فى وقت من الاوقات، تماما كما حدث فى المشهد الذى
انتهى بحصد "شولتز" و"جانجو"لأرواحهم جميعا، وقتل "جانجو" زعيمهم "بيج
دادى".
الفيلم فى المجمل اهم إضافات تارنتينو، فبعد هوسه الواضح بسينما اليابانى
أكيراكوروساوا الذى ظهر فى رائعته ذات الجزئيين"Kill Bill"، ياتى اليوم
حاملا هوسه بأفلام الغرب بأسلوب الغرب الأمريكى، لا فى شكل حديث كما قدم
فى اول افلام الروائية الطويلة "RESERVOIR DOGS"، بخلاف تبنيه لقضيه رافض
العنصرية بأشكالهاوهو ما ظهر بوضوح فى أخر فيلمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق