Seven Psychopaths
"المختلين السبعة" امريكا على الميزان البريطانى
قف.. امامك منطقة جنون، لا تقلق تستطيع تجاوزها فى 110 دقيقة او قد لا
تستطيع تجاوزها وستظل اسيرا للأفكار التى شاهدتها وانت تتابع رحلة 3 اشخاص
فى فيلم "Seven Psychopaths" جمعتهم ظروف اغرب من ان تحدث فى الحياة
الواقعية لكنها فى نفس الوقت ممكن حدوثها، يحترف اثنان منهم خطف الكلاب على
ان يعيدوها إلى أصحابهم بعد مضى ايام مقابل الحصول على الجائزة المادية
التى يدفعها اصحاب الكلاب الضائعة، والثالث هو كاتب سيناريو محترف لا يجد
افكار للسيناريو الجديد الذى يرغب فى كتابته، الثلاثة يعيشون معا ما قد
يراه البعض خيالا فى حين يراه أخرون واقعا تسقط ظلال رموزه فيما نعايشه
يوميا.
البساطة فى طرح الافكار والميزانيات المنخفضة هى اهم ما يميز السينما
البريطانية ونقطتى قوتها التى لا تتخلى عنهم الا نادرا، هى السينما التى
يعمل صناعها باليات واسس مختلفة تماما عن هوليود سواء فى الاخراج، او
التمثيل، او المعارك، فيلم "المختلين السبعة" هو الشباك البريطانى المفتوح
على الشارع الأمريكى، يكفى فقط ان تنظر من خلاله وسيختفى المحيط وتشاهد
لمحات من الحياة الأمريكية، ليس كما ترسمها هوليود فى افلامها ومسلسلاتها،
تفاصيل يعرفها جيدا المتابع للسينما الأمريكية، الفيلم نفسة يحاكى نظرة
هوليود لأمريكا مستخدما التفاصيل التى يعرفها جيدا المتابع للسينما
الأمريكية لكنه مع مرور الدقائق يكتشف الفارق ويعجز عن التنبؤ بما سيحدث
تاليا، فالبداية تبدو تقليدية، الكاتب الذى يعانى من عدم وجود افكار
للسيناريو الذى اقترب ميعاد تسليمه، وصديقة الذى يجب ان يتصرف بطريقة اقرب
لمخبول، ولا تعلم ما العامل المشترك الذى جمعهم، فقط ما بين تصرفات الأثنين
تنشا كوميديا حسب الخلطة الهوليوديه، والثالث هو عجوز يفضل ان يظل عاطلا
باختياره ويعالج زوجته بما يكسبه من مشروعة الناجح فى خطف الكلاب وإعادتها
لإصحابها بمساعدة الثانى.
مع سير الأحداث تكتشف أن الجنون هو ليس بعيدا عن طبيعة اى امريكى على
اختلاف خلفياتهم، أو اسلوب حياتهم الغريب مع اشارة دائمة لأصور هذا المجتمع
المختلطة التى تطبعت بصفات خاصة بعيدة تماما عن طباع مجتمعات اصولهم حسب
رؤية الفيلم، فشخصية كاتب السيناريو (كولين فاريل) ايرلندي مدمن كحوليات
وصديقة الأقرب (سام روكويل) يبدو غير متزن ودائما ما تشذ تصرفاته عن
الطبيعى، والثالث هو متدين يخطف الكلاب ويكره الحكومة واجهزتها، الخيوط
الأولية توضح لمحة من تركيبة المجتمع الأمريكي بكل ما تحمله من تناقضات
فالبعض يرى القتل وسيلة لإحلال السلام، والاخر يرى نبذ العنف هو السلام،
والبعض يتجه للدين والوسائل التى يمكن وصفها بالسلمية فى التعبير عن الغضب
لكنها طرق قد تكون اكثر عنفا من اساليب دعاه القتل والحرب، وكلهم يشك فى
اسلوبه وطريقته فى وقت ما.
الفيلم ملئ بالرموز ولا يمكن للمشاهد ان يسير مع احداث ومشاهد الفيلم
ومغامرات أبطاله الا لو استطاع ترجمة هذه الرموز حسب ما يراه، ولعل مشهد
النهاية الذى يظهر علم الولايات المتحدة النصف محروق لكنه مستمر الرفرفة
على سارية عالية فى ضاحية مدينه كبرى ببيوتها البسيطة فى مواجهة ابراج وكتل
المدينة الحديدية، يدلل على رغبة هذه المجتمع فى الخروج من ازمته
الاجتماعية والتى تتمثل بشكل مباشر فى ازدواجية المعايير، اين الجنون؟، اين
العقل؟، كيف يمكن لأمريكى ان يعيش بعيدا عن محاولة الوصول "للحلم
الأمريكى" والكلاشيه المعتمد المبهر عندما تقرا عنه للمرة الأولى، منفرا
وطاردا عندما تحاول تنفيذه.
مخرج الفيلم البريطانى مارتن ماكدونج يحمل ادواته وفلسفته فى حقيبته الخاصة
التى تصاحبه فى كل فيلم، "In Bruges" الذى اخرجة وكتبة عام 2008 وكان
بطلة كولين فاريل ايضا، عالمة المليء بالشخصيات الغريبة التى تميل لفلسفتها
الخاصة التى كونتها غالبا من الاحتكاك والتعامل، وليست ثقافة اكاديمية،
وانماطها الغرب تطل بوضوح فى فيلمه الأخير، وحرصة الدائم على رسم صورة
مغايره للمجرمين وصعاليك الشارع، دائما ما يكون صاحب مبدا لا يحيد عنه،
يشعر ويتذوق ويبكى ويضحك، ومن حقة ان يكون مجنونا احيانا، فالشرير الساسى
فى الفيلم هو زعيم عائلة إجرامية (وودى هارليسون) لا يرمش له جفن فى القتل،
لكنة يبى عند ضياع كلبة الصغير، يحمل دائما مسدسا معطلا لمجرد انه يحب
مقبضة الأزرق، ولم يتورع عن شن حرب ضاع فيها ابرياء وغيرهم وروع اخرين فقط
ليربت على كلبة.
الفيلم فى المجمل كوميديا سوداء تحمل كل كلاشيهات هوليود المعتادة، على
راسها التعاطف مع البطل الشرير القاتل، وقتلة فى النهاية لو لزم الأمر
لاستدرار اكبر شحنة عاطفية يمكن ان يشعر بها الجمهور، قسوة البطال ونفعيتهم
وانانيتهم المطلقة فى الوصول لما يحلمون به ويتمنونه، والذى يحظى بتفسير
على لسان الشخصية من خلال فلسفته القادرة على اقناعك بصحتها على الرغم من
شذوذها، المباشرة الشديدة فى عرض الافكار، وتهميش الأدوار النسائية، والغرض
منها بالطبع محاكاه الفيلم الأمريكى فى لمحة سخرية واضحة، وعلى جانب اخر
يحمل تفردا فى عرض الشخصيات وسير الاحداث، مستخدما حيلة تكسر لا منطقية
الاحداث فاغلب الوقت لا يدرك المتابع للفيلم هل هذه أحداث واقع شخصياته ام
هى خيال كاتب السيناريو وبطل الفيلم مارتى، وصديقية بيلى وهانز، لا يوجد خط
فاصل فى الفيلم بين الخيال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق