الاثنين، 11 مارس 2013

Les Miserables

عندما يتحول البوساء إلى رجال غاضبون

"جان فالجان" المحكوم السابق الذى قضى فتره عقوبته ويستعد للخروج من السجن فى فتره من اسوء ما مرت به فرنسا إقتصاديا وإجتماعيا، انكسر نابليون وعادت الملكيه وساءت احوال الفرنسيين واشتدت قسوه النظام الحاكم وقتها، ووسط كل هذا يحاول فالجان أن يستعيد حياته لكن ماضيه يطارده ويستغل المحقق جافيير هذا الماضى لينفذ نسخته الخاصة من القانون، بالطبع الشخصيات والملخص لروايه "البوساء" للفرنسى فيكتور هوجو وهى التفاصيل التى يعرفها كل متذوقى الفنون فى العالم نظرا لترجمتها لكل اللغات الحيه تقريبا بالاضافه إلى توافر عمل او عملين فنيين مستوحى أحداثهم من الروايه التى مر على كتابتها 150 عاما فى كل الفروع سواء المسرح أو السينما أو التليفزيون.
نسخه البوساء 2012 التى اخرجها توم هوبر وقام ببطولتها هيو جاكمان وراسل كرو وآن هاثاواى والتى تعد افضل ما تم ترجمته فنيا من الروايه والتى لا يمكن أن ننسب فضل نجاحها لهوبر وحده فالفيلم نتاج تجويد عالمى للروايه التى تم تداولها على مدار ما يزيد على القرن ما بين المسرح والسينما والتليفزيون واشترك فى بناء ما وضع عليه هوبر لمسته النهائيه فى الفيلم الاف من الممثلين والفنيين والكتاب عامه، ونتاج جهد 32 عاما من فريق عمل مسرحية البوساء الغنائيه، والذى ياتى فى مقدمته الملحنان آلان بوبليل وكلود ميشيل شونبرج ثم الشاعر هربرت كريتزمير الذى كتب الكلمات الإنجليزية للمسرحيه والتى ظلت تُعرض بشكل متواصل على مدى أكثر من 25 عاما ما بين مسارح انجلترا ومسارح برودواى فى أمريكا، لذلك لا يمكن نسب كل الفضل لهوبر وفريق عمله على خروج الفيلم بهذا الشكل الرائع وفى نفس الوقت لا ينفى أنه كان الأفضل والأنسب لإخراج الفيلم فإهتمامه بالتفاصيل الدقيقه فى كل افلامه سبب فى كونه المرشح الأول والوحيد لإخراج الفيلم بالإضافه إلى وجهة النظر السياسية التى يضيفها دائما إلى كل اعماله.
نجاح هوبر نابع من رؤيته المختلفه فهو لم يصنع فقط فيلم موسيقى، بل ضمن أن يكون كل مشاهد لفيلمه شعر بالروح التى يحظى بها كل من يجلس على احد مقاعد المتفرجين بمسارح برودواى، لكن دون الاخلال بقواعد السينما، فاللغه البصريه موجوده بقوه، جافير على سبيل المثال مكانه المفضل فى التفكير والمناجاه على حافه عاليه وهو يسير عليها واثقا ناظرا للاعلى وتركيز هوبر على حركه قدم جافيير اثناء سيره للتاكيد على الحده والتحفز التى تحملها الشخصيه، أو أن يستخدم “Bride Eye View” فى مشهد إنتحار جافير بعد أن تم تصوير اغلب المشاهد التى تظهر من خلالها الشخصية من زاوية منخفضة تنظر للأعلى أو فى مستوى الوجه مظهرا بروفايل الوجه مع ملامح التذلل والخوف لباقى الشخصيات التى تتعامل مع جافير، تاكيدا لهاله الوقار والعظمة التى تحملها الشخصية وبعد أن كانت الشخصية فى المسرحية الغنائية تؤدى من طبقة القرار للتاكيد على نفس المعنى، وهو ما لم يتخلى عنه هوبر بل ساهم فى التركيز عليه بلغته البصرية الخاصة وطبق هذا على كل الشخصيات فى الفيلم، بالأضافه إلى أن تصميم الديكور والاهتمام بالخلفيات فى المشاهد والملابس حتى الاضاءه توحى انها مصممه للمسرح وليس لفيلم سينمائى فى نفس الوقت استغل المساحات الواسعة التى تمنحها له الكاميرا ولا تمنحها له خشبة المسرح فى ان يصيغ واقع فرنسا الفقير وقتها ويعبر عن الغليان السياسى بإستخدام عدد كبير من المجاميع تتحرك فى خلفيات المشاهد بعد ان كان من الصعب إستخدام كل هذا العدد على خشبة المسرح لدلال الحالة، لكن احساس المسرح لم يفارق اغلب المشاهد فالكاميرا تقوم بدور عين المشاهد عندما ترغب فى الاقتراب من الممثل لاقرب مسافه ممكنة لمتابعه اداءه، وهو الشئ الذى حظى به الجميع حتى الكومبارس والمجاميع ولم يكن قاصرا على ابطال الفيلم فقط، خاصة وأن المسرحية الغنائية بشكلها المكتوب صعب التطبيق على خشبة المسرح.
اختيار ابطال الفيلم وعلى راسهم هيو جاكمان لم يكن من فراغ، هيو الذى يفضل العمل على خشبة المسرح اكثر من السينما وان هاثاواى التى كانت والداتها تؤدى نفس الدور على خشبة المسرح و أماندا سيفريد التى تربت على ألحان المسرحية وأدتها على مسرح المدرسة منذ أن كان عمرها 7 سنوات، وسامنثا باركس التى كانت ضمن المجموعة الأخيره من الممثلين التى أدت المسرحية أثناء الأحتفال بمرور 25 سنه على بدء العرض، كرو لم يكن بعيدا عن الموسيقى والغناء أيضا حيث بدأ حياته مشواره الإحترافى مغنيا وقائد لفرقة موسيقية، والدور الأصعب للطفل دانيال هاتليستون الذى لعب دور جافروش والذى حملت شخصيته فى النصف الثانى من الفيلم مسئولية تحريك الأحداث، ساشا باروخ كوهين سطر لنفسه خطا طويلا فى تاريخه كممثل بأن وظف كل ما يمكنه من الخروج عن المألوف والذى يعد سمته الساسية لخدمه شخصية مبالغ فى رسم دناءتها وتصالحها مع السرقة والنصب كمنهج للحياه وسط ظروف قاسية مدعومة بسلوك زوجته المتوافق معه وهى الشخصية التى قامت بإدائها هيلينا بونهام باركر وهى بدورها ممثلة أعتادت أن تكون طبيعه ما تقبل أداءه من شخصيات غريبا ولافتا للنظر كمثال دورها فى الفيلم الغنائى “Sweeney Todd: The Demon Barber of Fleet Street” مع جونى ديب والمخرج تيم بيرتن والذين يمثلون معا ثلاثى فنى لا تبتعد أضلاعه عن التلاقى كثيرا.
إجمالا مهما تختلف الأراء على الفيلم، ومدى إبداع ابطالة ومخرجه من عدمه، يظل الفيلم هو أجمل ما يمكن الوصول إلية بعد كل هذه السنوات من تداول الرواية، وتظل الرؤية السياسية لهوبر والتى ترجمها سينمائيا فى الفيلم لتتخطى كل القوالب والمسميات السياسية، لتبقى فقط الثورة على الظلم والوقوف إلى جانب الإنسانية فى صراعها الأبدى مع الإقصائيين والأصوليين، وأصحاب الأفكار المستغلة لأى أنسان يحاول أن يحيا حياة كريمة، وهو ما تؤكد علية اللوحه النهائية فى الفيلم التى تبدأ أغنيتها بجملة "هل تسمع غناء الشعب؟، يغنى أغنية الرجال الغاضبون"

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق