السبت، 17 مايو 2014

مصاص الدماء


"جان" فن الرعب

هل توجد جاذبية فى شخصية رواية تم نشرها منذ 117 عام؟ ربما تأتى إجابة البعض بـ"لا"، لكن عندما تكون الرواية للكاتب البريطانى برام ستاكر مبدع "دراكولا"، بالتأكيد ستاتى الاجابة بـ”نعم” فمع مرور كل هذا الوقت ما زالت شخصية مصاص الدماء مصدر هام فى الاعمال الفنية حتى انها اصبحت مادة ثرية للرسوم المتحركة، اليابانية منها تحديدا والمعروفة باسم "مانجا" فى أكثر من مسلسل يأتى على راسها "Hellsing"، و"Vampire Hunter D".
مصاصين الدماء تم تناولهم فى السينما والتليفزيون بأشكال عديده احيانا بأقصى قدر من العنف واحيانا عاطفيا واحيانا اخرى بمجرد الالتزام بالخط العام والقواعد التى رسمها خيال ستاكر عندما رسم الشخصية فى روايته الشهيرة، والتى تعتمد على اصل حقيقى هو شخصية الأمير فلاد الثالث حاكم اقليم والكيا الأسطورة الرومانية وعدو الإمبراطورية العثمانية مع بداية تكونها.
الرواية الأصلية لستاكر تعتمد على أمير حرب حقيقى دموى، قاتل الاتراك العثمانيين وحاول وقف مدهم فى أوروبا، ليتحول فى خيال الكاتب البريطانى إلى مصاص دماء يتغذى عليهم، لعقود متتالية منذ اختراع التصوير السينمائى واستغلال شخصية دراكولا مستمر سواء كانت افلام صامتة أو ناطقة، حتى يقرر المخرج فرانسيس فورد كوبولا العودة للآصل والالتزام بنص الرواية وبنى فيلمه الذى حمل عنوان "Bram Stoker’s Dracula" عام 1992 على الرواية التى تعد ايقونة فى ادب الرعب القوطى الذى يتخذ من القصور العتيقة والسراديب السرية والاساطير القديمة مسرحا لأحداثه، مقدما فيلما كلاسيكيا واضعا نقطة نظام وبداية جديدة لكل ما سبق إنتاجه عن الشخصية ومصاصين الدماء سواء التزم بالنص الأصلى وهى اعمال قليلة أو ابتعد عنها وهى أكثر الاعمال
الرواية كالفيلم تدور فى زمنين مختلفين الاول بعد عودة الامير فلاد الثالث لقلعته ليكتشف أن زوجته انتحرت بعد أن وصلتها أخبار خاطئة انه قٌتل فى المعركة، ليكفر بكل ما امن به وبسبب ذلك يتحمل لعنته بان يصبح مصاص للدماء، القدر يضعه فى طريق "مينا" شبيهة زوجته لحد التطابق وبسببها يخوض حرب جديده ليحظى بقلبها.
الفيلم التزم بالتفاصيل الدقيقة التى أبدعها ستاكر، وحقق نجاحا على المستويين الفنى والتجارى، فتكلفة إنتاجه بلغت ما يقرب من 40 مليون دولار وحقق ايرادات تخطت 300 مليون دولار، كما ترشح لنيل أربعة جوائز أوسكار هم افضل ملابس، وافضل مؤثرات، وافضل مكياج، وافضل اخراج فنى، حاز على ثلاثة منهم، وتصدر بطولته انتونى هوبكنز، وجارى أولدمان، ووانونا رايدر، وكيانو ريفز، لكن اهمية الفيلم الحقيقية هو تسليط الضوء على وجهة نظر مختلفة لمصاصى الدماء بعد سنوات من الاستغلال الحرفى لأداء ولكنة وملابس الممثل بيلا لوغسى فى الفيلم الذى اُنتج عام 1930 وحمل اسم "Dracula" أيضًا، ليصنع كوبولا بداية جديده للشخصية بالعودة لشكلها الكلاسيكى فاتحا المجال أمام إعادة احياءها مرة اخرى بعده تصورات جعلتها تيمة اساسية لا يمل منها الجمهور، وخامه ثرية يستغلها بعده الصناع بسهولة.
مسلسل "Dracula" الذى انتهى عرض موسمه الاول مؤخرا فى الولايات المتحدة نموذج للاستغلال الناجح للشخصية والتى قد يظن البعض انها استهلاك مبالغ فيه لرواية ستاكر، لأن المسلسل يدور فى نفس زمن الرواية والفيلم ويعتمد على نفس الشخصيات، لكنه على العكس إضافة من زاوية اخرى حيث عمل مبدعه كول هادون على تغيير الخطوط الدرامية لبعض الشخصيات، عدو دراكولا الأساسى ليس فإن هيلسنج، فى المسلسل هو حليفه يحاولان معا القضاء على منظمة التنين بدافع الانتقام، الاول لانهم السبب فى كونه مصاص دماء، والثانى لأن رئيس المنظمة وقت الاحداث قتل عائلته، مضيفين خيالا جديدا على خيال ستاكر، حيث أن منظمة التنين التى كانت موجوده فى الحقيقة لمواجهة اعداء الكنسية وعلى راسهم الامبراطورية العثمانية وكان الامير فلاد الثالث ابرز اعضائها، فى المسلسل هى مستمرة وتحاول جر الامبراطورية العثمانية لحرب حتى تتمكن المنظمة من السيطرة على حقول النفط الموجودة فى الشرق الاوسط الذى يحكمه العثمانيين، هذا التغيير حقق نجاحا للمسلسل وضمن ما يزيد على 5 ملايين مشاهد عند عرض حلقته الاولى.
بعيدا عن النظرة الكلاسيكية للشخصية، تناول صناع فيلم “Interview With The Vampire” الذى أنتج عام 1994 وتصدر بطولته نجمى هوليود براد بيت، وتوم كروز بمشاركة انطونيو بانديراس وكريستان سلاتر، زاوية اخرى مستغلين نجاح فيلم كوبولا، ليخرج التناول من الرغبة فى “التخويف والرعب” إلى جانب درامى يركز على مشاعر مصاص الدماء وحياته، وبعد ما كان التركيز على الضحايا وكيفية القضاء على الشر الذى يأتى مع الشخصية، يتحول إلى رؤية ابعاد اخرى عنها فاتحا الباب أمام سيل من الأفكار التى تسير فى نفس الاتجاه ليصبح هناك سلاسل من الافلام والمسلسلات التى تتناول مجتمع مصاصى الدماء وطريقة حياتهم وصراعاتهم، منها سلسلة افلام "Underworld"، ومسلسل “The Vampire Diaries” ، الذى حقق نجاحا بعد 6 سنوات من عرضة دفعت الشركة المنتجة ومبدعته جولى بليك إلى البدء فى مسلسل اخر منفصل يتتبع العائلة الاصلية لمصاصين الدماء فى المسلسل، يحمل عنوان "The Originals"، وبالطبع فيلم "From Dusk Till Dawn" عام 1996 للمخرج روبرت رودريجيز والذى تحول إلى مسلسل تليفزيونى بدا عرضة شهر مارس الماضى.
الجانب الرومانسى فى شخصية مصاص الدماء إضافة اخرى تحسب لفيلم كوبولا، حيث لم تكن مطروقة بهذا الحد قبل 1992 أغلب الصناع وقتها كانوا يتجاهلونه، فقصة حب دراكولا فى الرواية وانتحار زوجته وجلوسه فى قلعته لسنوات منتظرا قدره فى ظهور جوناثان هاركر الذى يصادف أن تكون خطيبته هى شبيهة زوجة فلاد الراحلة، هذا الجانب التقطه الصناع والذى اصبح التركيز علية سببا فى خروج عدد اخر من الافلام والمسلسلات التى تعتمد على نفس الخط فقط، مصاص الدماء العاشق اصبح تيمة ناجحة أيضًا فى التسعينات، مسلسل Buffy The vampire Slayer” ، وشخصية مصاص الدماء "انجل" وقصة حبة مع "بافى" التى جعلت من شخصية "انجل" ماده ثرية ليكون له مسلسل خاص به حقق نفس النجاح الذى حققه المسلسل الأصلى، الجانب العاطفى فى شخصية مصاص الدماء تم استخدامه بنجاح أيضًا فى المسلسل الذى يشهد العام الجارى عرض اخر مواسمة وهو “True Blood” والذى تعتمد أحداثه بشكل أساسى على قصة الحب التى تنشا بين الثلاثى مصاصى الدماء بيل كومبتون، اريك نورثمان، و”سوكى”.
لكن كل الاعمال التى تناولت الجانب العاطفى عند مصاص الدماء حافظت على الخطوط الكلاسيكية التى رسمها ستاكر فى روايته، وظل مصاص الدماء كما هو برونقه وجانبه الخشن حتى عندما صنع الراحل ليسلى نيلسون شخصية دراكولا فى فيلمه الذى ينتمى لكوميديا البارودى والذى حمل عنوان “Dracula: Dead and Loving It” عام 1995، احتفظ برونق الرواية الكلاسيكية وصنع الكوميديا من السخرية مما صنع عنها من افلام وعلى راسها فيلم كوبولا، لكن ستيفن ماير مؤلفة سلسلة روايات "Twilight" التى تحولت عام 2008 إلى سلسلة افلام قدمت اسوء مصاص دماء ظهر على الاطلاق، حيث استبدال هذا الرونق الذى منح للشخصية كل هذه الجاذبية على مدار كل هذه السنوات وأتلفته برؤيتها لمصاص الدماء فعدم القدرة على الظهور فى الشمس لأن بشرته تبرق كالماس، وأغلب صراعاته تبدا وتنتهى بنعومة غير منطقية تجعل من أحمد عدوية فى فيلم "انياب" أكثر اقناعا منه كمصاص دماء.
ثراء شخصية دراكولا هى أكثر عامل جاذب وهو السبب وراء كونها فكرة قابلة للتدوير والتداول فى السينما والتليفزيون، حتى لو مر مائة عام اخرى ستظل الشخصية قابلة للنجاح حال وجودها فى أى عمل، وستظل أيقونة فى أى عمل تقدم من خلاله سواء كان عاطفيا أو ينتمى للرعب أو الجريمة أو الدراما.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق