الجمعة، 16 مايو 2014

الخروج للنهار


صناعة الملل بنجاح

تحت راية "المستقل" و"العميق" فى فن السينما تسبح اشكال والوان من المشاهد التى تضم افكار وتجارب صناعها تتجمع هذه المشاهد فى فيلم، اكثرها جيد وبعضها يفتح المجال امام المتلقين للتفكير والشعور بشكل مختلف وبعضها لا يتعدى كونه تجربة ذاتية، اهميته تبقى فقط فى عين صناعه ودائرتهم الصغيرة من الاصدقاء، وجزء لا يستهان به لا يقدم افلام من الاساس مجرد هواه يصنعون اشباه افلام، تحت راية المصطلحين يعمل الصناع مقدمين عشرات من الافلام ينقسم متلقوها لمعسكرين متضادين لا مجال لفريق وسط، الاول يرى الفيلم رائع وعظيم ولا يجوز المساس به، والاخرى يرى العمل ملئ بالمشاكل ولا يستحق كل الضجة المثارة حوله.
فيلم "الخروج للنهار" مستقل بحكم طريقة انتاجه وما يقدمه، وعميق حسب اختيار صناعه لجملة "علامة فى السينما المصرية بعمقه وتعدد مستوياته وقيمه وايقاعه" التى نُشرت بجريدة الحياة فى وصف الفيلم لتتصدر الافيش الرسمى، القصة بسيطة عن شابة لم تتزوج تعانى هى ووالداتها بسبب مرض الاب العجوز الذى يصارع الحياة بالموت، زمن الفيلم هو يوم واحد من نهاره للنهار الذى يليه، خلال اليوم نتعرف على طقوس هذه العائلة المتكررة،  وكما بدا النهار انتهى بقصة دون اى حدث رئيسى واحداث ومواقف غير متكملة من كثرة ما نراها حولنا وتأصلت كمشاكل اصبحت تمر دون اثارة اى رغبة فى فتح مجال للتفكير او محاولة مواجهتها فقط محاولات التكيف معها، الحب والزواج مشروع فشل بالنسبة للفتاة، اب يرغب بشدة فى الموت من الملل، ام تحمل عبء العمل وتحمل مصاريف البيت وتشارك الابنة فى حمل عبء الزوج.
الحوار فى الفيلم غير موجود تقريبا، فقط بعض الجمل المقتضبة بين الام والابنة، والاخيرة والاب حيث يعتمد الفيلم بشكل اساسى على الصورة فى رسم وتفسير العلاقات والمشاعر، منذ اللحظات الاولى اداء صاحبة دور الام (سلمى النجار) والابنة سعاد (دنيا ماهر) يبشر بنار تحت الرماد نظرات متحفزة من الابنة، نظرات جانبية تحمل غضب احيانا، ولا مبالاة احيانا اخرى، وكانهم متنافستين او عدوتين وينذر الاداء بظهور مشكلة فى الافق، هذا الاداء جاء عكس الجمل الحوارية بينهما التى تحمل الكثير من الحنان والترابط، وما بين اداء الابطال الذى خلق حالة من التحفز والحوار الذى يسير فى اتجاه اخر تبدا حالة التشتت وهى الحالة التى تستمر طوال الفيلم، يسير الحوار فى اتجاه والاداء فى اتجاه اخر، بالطبع الاداء مميز لبطلتى الفيلم لكنه لا يتفق مع الحوار للحد الذى يدفع للتساول ما السبب وراء حالة التوتر والعدائية وسط ما هو مفترض انه نشاط يتكرر يوميا المنطقى ان يُعبر عنه بالملل وليس العدائية والغضب حتى نهاية الفيلم.
شخصية فتاة الميكروباص التى تقتحم الاحداث وتدخل وتخرج منها بشكل مفاجئ، تعبر عنها دعاء عريقات باداء مفتعل ومبالغ وطفولى شديد المباشرة يحمل صورة نمطية للمريض النفسى فى السينما لا علاقة لها بالواقع، المشهد باكمله وقع فى فخ الهواية واستمرار غياب سيطرة مخرجة الفيلم هالة لطفى على الاداء، حتى الاداء المتماسك لدنيا طوال الفيلم تاثر كثير فى هذا المشهد الذى تعالت ضحكات الحضور على الرغم من جديته اثناء عرضة الخاص كلما تكلمت دعاء، وهذا لا يدل الا على استمرار حالة الضبابية فى توصيل المعنى للمتلقى والذى تقع مسئوليته الكاملة على المخرجة، الراحل احمد لطفى صاحب شخصية الاب قدم اداءا عبقريا يتنفس دون ان يحيا، على الرغم من انها المرة الاولى التى يقف فيها امام الكاميرا ممثلا، فقط ايام تتالى وهو غير مهتم مشلول مستسلم لايدى زوجته وابنته، نائم طوال الوقت ينظر بعين غابت عنها الحياة والرغبة، وعندما تحدث قال بصوت متقطع "زهقان".
مع استهلاك دقائق الفيلم الـ 96 وبعد مرور ثلثه الاول تبدأ حالة انتظار الحدث فى الغياب وتحل حالة من الملل، السبب الاول فيها كثرة وجود النماذج التى يعبر عنها ابطال الفيلم فى الحياة الحقيقية، وهى ليست ظاهرة جديدة يرصدها الفيلم ويلقى عليها الضوء ويفتح مجالا للتفكير والبحث ورائها، ويمكن القول انها تجربة ذاتية يعيشها الكثيرون حول العالم سواء اغنياء او فقراء، عرضتها المخرجة برؤية غابت عنها مسحة الخيال والسحر الذى يغلف فن السينما، رجوعا لعام 2013 فاز فيلم “Amour” بجائزة الاوسكار افضل فيلم اجنبى، مخرجه مايكل هنكة تصدر لنفس المشكلة تقريبا زوجة تصاب بسكته دماغية ويبقى الزوج جنبها لرعايتها ويمر شريط الفيلم مصورا تفاصيل ادق وفى مدة عرض اطول بلغت 127 دقيقة، وكانت الكاميرا معظم زمن الفيلم حبيسة منزل الابطال برؤية اقل وصف لها انسانية وخلابة، لكن فى حالة "الخروج للنهار" يصبح الفيلم وكانه خبر جامد نقراءه من جريدة يقدم حقائق مجردة لا تلمس المتلقى انسانيا سلبا او ايجابا، الامر الذى خلق فاصلا بين الابطال والمتلقى كثف هذا الشعور غياب الجمل الحوارية واستبدالها بالصورة التى تركز على التفاصيل الصغيرة والتى زادت لحد الملل فى اغلب المشاهد فى محاولة لاضفاء حميمية بين الابطال والجمهور لكن زيادتها خلفت تاثير عكسى.
خروج الفيلم بدون موسيقى تصويرية والتى تعد واحدة من اهم الادوات المساعدة استغلالا من قبل المخرج ليسد فراغات كثيرة فى العمل وحلقة وصل فى تاكيد توصيل مشاعر بعينها للمشاهد، المخرجة قررت الاستغناء تماما عن هذا العامل على الرغم من احتياج الفيلم له لكسر حالة الصمت والملل التى صاحبت مشاهده حتى مع تتر النهاية الذى عرض اسماء فريق العمل صامتا على خلفية سوداء، وما سعت المخرجة من وراءه تضخيم شعور المتلقى بحالة الرتابة والملل ضاع بسبب الرؤية التى غاب عنها الحوار، والموسيقى التصويرية، والتحكم فى اداء الممثلين، وهو ما جعل دقائق عرض الفيلم وكانها دهرا.
الديكور واماكن التصوير عبرت عن القدم والعراقة وليس الفقر، تفاصيل الشقة القديمة والحى الذى تسكن فيه الاسرة عتيقة، الامر الذى لا يرتبط بشكل بديهى مع الفرق، التفاصيل التى ركزت عليها المخرجة فى رؤيتها من صور قديمة والمروحة العتيقة وغيرها لا تشترط بالضرور حالة الفقر التى رسمها الحوار فى اكثر من موضع، لم يخدمه الديكور بل سار فى اتجاة اخر كذلك الحال مع ملابس الشخصيات سواء التى ارتدها الابطال فى المنزل او الشارع، حتى ملابس الاب لم تكن باليه على العكس مثلها مثل الديكور العتيق تنتمى تصميماتها لفترة زمنية سابقة لكنها ليست بالية او مستهلكة.

انتماء اى فيلم للسينما المستقلة لا يعيب ولا يعد وصمة عار حتى تتنصل المخرجة فى تصريحاتها من المسمى معلله ذلك بانه سبب فى عزوف كيانات الانتاج عن دعمهم، مع ان اللفظة نفسها قادمة من استقلال الصناع عن هذه الكيانات والمناخ العام السائد فى الصناعة لافاق اكبر من الحرية فى الطرح والتنفيذ، وايضا السينما التجارية ليست وصمة عار وصناعها ليسوا فى مرتبة ادنى من نظرائهم، على العكس الجمهور نفسه يذهب لكلا الاتجاهين حسب اهواء فئاته، والامر فى النهاية لا يعتمد بشكل كبير على صناعة الفيلم بل يعتمد على عوامل عديدة على راسها معرفة الشريحة المحتملة التى اريد للعمل الفنى ان يصل اليها، ووضع ذلك فى الاعتبار عند الطرح والعرض، وتحقيق التوازن بين الفن والصناعة ليس جديدا وليس تقليلا من دور ايا منهما، محمد خان صنع فيلما على مستوى عالى جدا بصريا واضعا شباك التذاكر نصب عينه ونجح فى ان يحظى باشادات المتخصصين كتابتة والجمهور ايرادا، على الرغم من كونه مستقل انتاجيا، محاولة فرض شكل من اشكال العمق فى الطرح ظاهريا وعن طريق تصريحات الصناع لخلق جمهور نوعى شديد التخصص يجعل من الفيلم والصانع ضعيفا غير قادر على الوصول لشريحة جمهور اكبر، لو حاول الوصول سيفشل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق