الجمعة، 16 مايو 2014

Transcendence

فيلم عن التناقض لا التفوّق

التناقض هو عنوان فيلم "Transcendence" وليس السعى للتفوق والكمال كما يشير عنوانه، وهذا التناقض حملته المشاهد الأولى للفيلم، وأكده حوار أبطاله وأفعالهم، على رأسهم الباحث فى مجالات الذكاء الصناعى دكتور ويل كاستر (جونى ديب)، الذى يسعى لرسم تفاصيل حديقة صغيرة لتكون الملاذ له ولزوجته إيفلين (ريبكا هول)، أحاطها بشبكة من النحاس لخلق مجال يحجب الإشارات اللا سلكية، تطلب منه زوجته أن يكتفى بإغلاق هاتفه بدلًا من كل هذا العناء وهى تفصيلة قد تبدو تافهة فى البداية، لكن نهاية الفيلم تعتمد عليها، التناقض يبدو واضحًا أيضًا فى سعى المنظمة المناهضة لثورة التكنولوجيا والتى تتسبب فى إصابة كاستر بشكل بالغ وتقتل وتدمّر عدة معامل تعمل على بحثه، يصفهم هو بالتناقض ما بين رغبتهم فى إنقاذ البشرية من سطوة التكنولوجيا وفى سعيهم لذلك يقتلون ويدمّرون.
ما يبدو واضحًا على السطح هو فريقان متضادان حول أهمية الذكاء الصناعى فى حياة البشر وتأثيره عليهم، لكن على مستويات أخرى هو فيلم يركّز على المشاعر، تتعمق مشاهد الفيلم المتتابعة فى تشريحها، حيث يعتمد السيناريو الذى كتبه جاك بجلن فى أولى تجاربه بشكل رئيسى على قصة حب ويل وايفلين، الزوج الذى يعيش فى أحلام زوجته ويحاول تحقيقها بالعلم، والزوجة متفانية فى حب الزوج تسعى طوال الوقت لأن يظلا معًا، الأمر الذى يجعلها تدخل بزوجها إلى مرحلة أخرى من خلال نقل وعيه إلى حالة رقمية تتجسّد عبر شاشة كمبيوتر وخوادم شبكة الإنترنت، ما بين رغبات كلاهما يسير ثلثا الفيلم الأولان فى خطوات بطيئة تشرح تفاصيل العلاقة لحد الملل فى بعض الأحيان، حيث يفرد السيناريو مساحة واسعة فى عرض مبتكرات الزوج الذى تحوّل إلى نسخة رقمية وكأنها قرابينه لنيل رضا زوجته وبقائها جانبه فى حالته الجديدة، وهى تتأرجح ما بين الثقة المطلقة التى بدأت تهتز والشك فى أن زوجها بالفعل هو مَن يكلمها وعيه وليس آلة تحاول السيطرة على العالم، الأمر الذى يدفعها للهرب.
حالة البطء فى عرض الشخصيات والأحداث فى ثلثى الفيلم الأوليين نقلت حالة الشك التى صاحبت الصديق المقرب لويل، ماكس (بول بيتانى) وانتقلت إلى عدد من المحيطين به، حتى مع تسارع الأحداث مع اقتراب النهاية، ظل الشك والقلق يصاحبان المشاهد، والمشاعر تتحوَّل بسرعة ما بين الحب والكره، الثقة والشك، وهو الأمر الذى انعكس على أداء الممثلين، على رأسهم ديب الذى عبّرت شخصيته التى اتّسمت بالهدوء عبّر عنه بشكلين، الخالى من المشاعر والانفعالات فى نسخته الرقمية، والمحب الداعم لزوجته حتى فى أشد اللحظات خطرًا على علاقتهما، ربيكا جعلت التحوّل من اليقين المطلق وإيمانها بزوجها إلى الشك ملحوظًا بأدائها، حتى إن بعض المشاهد التى تضم مشاعر متضاربة عبّرت عنها باقتدار جعل أداءها طبيعيًّا، فريمان الذى ظهر على استحياء ولم تؤثّر شخصية جوزيف على الأحداث بأى شكل ليبدو الأمر وكأنه مجرد استغلال لاسم نجم كبير دون وجود تأثير يُذكر، وإلى فيستر الذى يقدّم تجربته الأولى كمخرج بعد مشوار طويل كمدير تصوير، وكثنائى مع المخرج كريستوفر نولن فى معظم أفلامه، والأمران اللذان انعكسا على صورة الفيلم بشكل إيجابى لحد كبير تحديدًا فى اللقطات التى ضمّت خدعًا بصرية بشكلها النهائى، وفريق العمل الذى ضم وجوهًا دائمة العمل مع نولن، منهم سيلين مورفى الذى لم تكن لشخصيته أيضًا أى دور مؤثّر أو مهم بالأحداث، أهم ما يميّز الفيلم هو موسيقى مايكل دانا التصويرية، التى سارت على نفس خطى حالات التقلّب والتضاد التى رسمها السيناريو، وترجمها الممثلون، تتحوّل مع الحدث من حالة القلق إلى الهدوء فى ثوانٍ معدودة، الجمل الموسيقية المتتابعة تحمل روح الشك وتسير مع تغيرات وجه الممثل لتصل معه إلى اليقين بنقلات سريعة فى النوعية.
إجمالًا، الفيلم متوسط الجودة يضم نجومًا كبارًا، بعضهم موجود باسمه فقط، السيناريو يضم كثيرًا من المشكلات قد تدفع مَن يرى الفيلم بالملل، أبقى عليها المخرج لكنه ركّز فى رؤيته على إظهار جوانب من الحميمية بالتركيز على تلامس الأيدى واللقطات القريبة، ويحمل جوانب على قدر كبير من التميّز، منها الموسيقى التصويرية، وأداء جونى ديب والإخراج العام للصورة، لكنه على الرغم من ذلك عانى من صدمة الأسبوع الأول لعرضه بأمريكا، ولم يحقّق سوى 10/1 من تكاليف إنتاجه.

هناك تعليق واحد: